يلعب الخطاب الإعلامي دورًا مؤثرًا في بناء العلاقات الاجتماعية وتحديد الهويات الاجتماعية والثقافية، فهو عملية مستمرة ومعقدة تتفاعل فيها وعبرها قوى ومتغيرات عديدة تعكس أوضاع المجتمع وثقافته والمرحلة التاريخية التي يعيشها.
إن الخطابين (الديني والإعلامي) إزاء رؤيتهما لكيان المرأة ورسمهما لصورتها المتوقعة لا يواكبان واقع التنمية الكوني في شتى أبعاده التي تفترض حضورا للمرأة في الوجود الإنساني فاعلاً ودائماً يجاري حضور الرجل. كما أن هذين الخطابين ينزاحان عن التطور الإنساني الذي تفرضه حاجة المرأة لوجودها الإنساني والفكري وما يمليه من ضرورات المرحلة. إضافة إلى أنهما يقعان في دوائر المواجهة مع الأنظمة الفكرية من كل التوجهات، كمثال ـ العلمانية والعولمة ـ التي تغزو أنماط الوجود وتطوعها وتسيرها وفق بناها وبرامجها وأهدافها لهذا يتسم الخطاب الإعلامي الموجه للمرأة بخطورته وأهميته فهو خطاب يستهدف القيم والأخلاق والكينونة لديها.
تظهر إشكالية الهامش والنموذج في تشكيل الوعي المجتمعي من خلال خطاب جعل المرأة نفسها تعيش خواءً فكرياً وفراغاً روحياً وخلطاً عجيباً بين الغايات والوسائل، ببث صورة نمطية محصورة في المرأة التقليدية والمرأة الجسد والمرأة السطحية. بل هناك إشكال داخل الخطاب الإعلامي والخطاب الديني فيما يخص كرامة المرأة وحقها داخل المجتمع. وأغلب وسائل الإعلام تتبنى خطابا يزج بها إلى الهامش بينما يصنع الإعلام ويبث في جانب آخر نموذجا مختلفا للمرأة عبر وسائله الإعلامية والذي يشكل تناقضا مع الحياة الذهنية التي تتحرك ضمنها النساء كما في مجتمعنا المحافظ.
إن صورة المرأة ما زالت توجه من خلال خطاب مضمن ولم يضف لها تغيير يذكر في وسائل الإعلام المحلية أو العربية، فهي في الخطاب الإعلامي صورة تحاكي الثقافة الشعبية عن المرأة كما في نساء "باب الحارة" أو "نساء السلطان" أو "كيد النساء" والقائمة تطول بجعلها كائنا خارج الفعل والتأثير. خطاب وسائل الإعلام لا يمكن أن نراهن عليه إذا ما تتبعنا "صورة المرأة في الخطاب الإعلامي" مثل المسلسلات المحلية التي تحاول أن تكون رسائلها جذابة تتنوع بين محاكاة المكبوت.. التلاعب بالخيال.. اللعب على تناقضات الواقع من ناحية، وتعبر عن التغير الذي طرأ على صعيد الأدوار التي تقوم بها المرأة، ومن ناحية ثانية، تثير موضوعات تحمل قيم استمدت من سلطة الأهل، وتظهر الخداع والاحتيال بين أفراد العائلة نفسها من أجل المال، وكثير من السلوكيات التي ليست بالضرورة مستمدة من الواقع، إنها تخلق واقعاً افتراضياً جديداً بقيمه، وعلى رأسها قيم المنفعة والمال، وهي صورة مهترئة تتشكل ضمنها امرأة "بدون قيمة إنسانية"، تروج لـ"صورة المرأة التي على هامش الوعي"، وهو خطاب استهلاكي بكل معنى الكلمة، وبذلك أحدث شرخا كبيرا في المجتمع، حيث اقتصرت المرأة على دور مفرَّغ من مضمونه.
أما في الخطاب الديني فقد ظهرت لسنوات عديدة وما زالت قائمة لصورة المرأة محور الفتنة والإغواء والفساد، وتعزيز هذا الخطاب يؤدي إلى ترويضها وإقصائها عن كافة المناشط الحياتية أو الفكرية، واقتصار دورها على التناسل والتربية، وعلى كونهما أدوارا نبيلة، إلا أن توسيع دائرتهما وحصر المرأة خلالهما يفقدها وجودا مختلفا في جانب آخر، وهو ما نجده في نص الخطاب الديني الذي يظهر في برامج الفتاوى وتفسير الأحلام والبرامج الدينية الموجهة، فالمرأة هي محور كل فتوى بشكل يكاد يكون أساسيا، وبهذا يصبح المعنى من الخطاب والممارسة الاجتماعية يسيران باتجاه واحد، وهنا يظهر مفهوم الخطاب في الثقافة بما يلعبه من دور بالغ الأهمية في إنتاج وترويج الثقافة الجماهيرية، وعلاقة ذلك بأسلوب الحياة والأيديولوجية والوعي في المجتمع، تحديدا فيما يخص النساء.
إن الخطاب الذي يبث عبر وسائل الإعلام يصنع الصورة الذهنية عن النساء، هذه الصورة تتشكل وتنمو وتصبح جزءا من التركيبة الذهنية للمجتمع، أيا كانت مضامين هذه الصناعة الخطابية، سلبا أو إيجابا، فهي قادرة على أن تحدث التأثير وتشكل الجمهور وتصنع تصوراته ومفاهيمه فيما يتعلق بالنساء مثل تبني ما يعرف بـ(المعرفة السلبية) التي تعيق إدراك المرأة للبعد الاجتماعي والفكري الذي تتحرك داخله. مما يفضي إلى خدر فكري بدلا من إيقاظه، والذي يؤدي بدوره إلى معاناة المرأة ويضع أمامها الكثير من التحديات التي تعوق تنمية قدراتها وتوسيع قاعدة خياراتها، بحيث ما زالت الصورة السلبية للمرأة في الثقافة المحلية قائمة، وهي صورة مرتبطة بالموروث الثقافي السابق والحاضر الذي تنتجه، والذي يعد العائق الأهم لتطورها، بل سنجد الكثير من الأفعال القسرية التي ما زالت تحدث في حياة المرأة وتفقدها تلك الحقوق باسم الثقافة المجتمعية السائدة، ولهذا وانطلاقا من الخطاب الديني والخطاب الإعلامي فيما يخص المرأة في وسائل الإعلام كماً ونوعاً، والصور التي يمكن أن يشكلها هذا الحضور عن المرأة؛ لا بد من الإطلالة على الحيز الذي تشغله النساء كمستهلكات لهذه الصور المنتجة إعلامياً، وما تحتويه من رسالة إعلامية عبرهن وبهن وإليهن، وبالتالي رد الفعل الارتجاعي الصادر عنهن عليها، سواء كان استحسانا أم رفضا أم سكوتاً، فالخطاب هو وسيلة لتشكيل المجتمع، والمرأة هي جزء من هذا المجتمع المستهدف بالتشكيل الذهني سواء بتشكيل صورتها في الخطاب الموجه أو تشكيل العقل الجمعي المتلقي فيما يتعلق بصورة المرأة في مجتمع ما.