ما أن نتحدث عن العنف ضد النساء حتى يقفز عليك صنفان من الناس: الأول حراس المتاحف ذات الموروثات التعصبية، والثاني دعاة الكراهية ضد الآخر الحضاري... الأول يتهمك بالإساءة للإسلام، بينما ينعتك الثاني بـ"التغريب". إنني أتساءل: إذا كان الرسول الكريم مناصراً للمرأة وحامياً لها طوال حياته، وإذا كانت تعاليم ديننا الإسلامي العظيم حرّمت الإساءة للمرأة، فلماذا لم تنعكس تلك التعاليم على أرض الواقع كثقافة مجتمعية؟ وخصوصا أنه يوميا لا تكاد تفتح صحيفة ورقية أو إلكترونية إلا وتشاهد صورا بانورامية متنوعة ومتجددة من الاغتصاب والضرب والإهانة النفسية، والتحرش الجنسي والعنف المنزلي.. قد يعترض آخر بأن العنف ظاهرة لا تقتصر فقط على مجتمعاتنا بل هي ظاهرة عالمية تشمل كل المجتمعات؟.. نعم لكن علينا معرفة أن المجتمعات المتقدمة تمتاز باتخاذ تدابير تشريعية لحماية المرأة ووجود الكثير من الجمعيات الحقوقية والمراكز المتخصصة لحمايتها من العنف، وتثبت الإحصائيات ارتفاع معدلات العنف المادي في المجتمعات العربية، بل إنه في بعضها تتعرض أكثر من 90% من النساء للضرب والشتم. ثم هل تعلم بأنه بدءا من اليوم الأحد 25/11 سيحتفل المجتمع الدولي باليوم العالمي لمناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة، حيث ستقام حملة عالمية- تقام سنوياً منذ عام 1991 - وتجري فعالياتها وحتى 10/12 من كل عام، وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وقد تم اختيار تلك الأيام في محاولة منها للتأكيد على أهمية ربط قضايا حقوق المرأة بقضايا حقوق الإنسان واعتبار العنف ضد المرأة انتهاكا صارخا لحقوقها الأساسية، ومن الخطورة بمكان أن يشتد العنف في المملكة عندما يُمارس من قبل دور الحماية والإيواء التي يفترض منها أن تتخذ قضية المرأة شعارا وهدفا أساسيا لأنشطتها؛ إلا أنها لا تستطيع حتى الآن حماية النساء من العنف بل على العكس تماما كونها تُعامل الضحية كمذنبة، وكما تُعبر إحدى المُعنفات النزيلات بأن العيش في هذه الدار هو في واقعه أشبه بكابوس.

إن تحليل موضوع العنف ضد المرأة في المجتمعات يحتاج إلى فهم منطلقاته الثقافية، فقد تجد مجتمعات تبدو في ظاهرها وشعاراتها الشوفينية المعلنة تستنكر العنف ولكنها عند التحليل العقلاني تجد أن أفرادها يقرون العنف تحت مبررات أيديولوجية، عالم الاجتماع الفرنسي "بيار بورديو" يعتبر بأن هذا النوع من العنف المُبرر يسمى العنف الخفي، (فقد نختاره بقدر ما نعانيه).

ثقافة العنف ضد المرأة عميقة الجذور ولها امتداداتها التاريخية في مجتمعاتنا، وهي تمنح الرجل سلطة مطلقة على المرأة، وفي ذات الحال تجد على ألسنة الوعاظ تمجيداً للمرأة الصابرة والمطيعة، وكأن قدر المرأة المسلمة أن تتحمل العنف وتصبر على الذل، ومن أشد صور العنف هو التمييز، فالمجتمع العربي ذكوري حتى في نمط تربيته، فالذكر هو المفضل دائما، بل إن مجتمعنا يجعل الأخ الصغير المراهق وصياً على الأخت الكبرى الرشيدة في حال فقد الأبوين، ولا زالت المرأة محرومة من تولي المناصب القيادية في العديد من الدول العربية، ولعل التمييز الأشدّ حسرة هو حرمان المرأة العربية من نقل جنسيتها إلى أولادها وزوجها إذا تزوجت من غير مواطنها. بالنتيجة قد لا توجد حلول سحرية لمشكلة العنف ضد المرأة لكن بالتأكيد أن "لكل داء دواء" وحيث إنه لا يوجد حتى الآن في المملكة أي نص نظامي يعاقب على أي عمل من أعمال التمييز ضد المرأة، بل لا يوجد نص يمنع ويحظر التمييز أصلاً بالرغم من الحاجة الملحة لمثل هذه النصوص نظراً لكثرة صور العنف ضد المرأة؛ فالتدبير الوحيد المناسب هو اتخاذ كافة التدابير التشريعية من تقنين نصوص تعاقب وتجرم التمييز ضد المرأة، وتقنين مسائل الأحوال الشخصية، والتعجيل بإنشاء محاكم لقضايا الأسرة.