يقع على عاتق وزارة العمل مسؤولية ومهام التشخيص الدقيق لمشاكل وتشوهات سوق العمل المحلي، والسعي إلى اقتراح وتنفيذ المعالجات والحلول الكفيلة بتجاوز هذه المشاكل وصولاً إلى تحقيق الكفاءة في تنظيم السوق وتوظيف العمالة الوطنية من الجنسين وتعزيز إسهام القطاع الخاص في الناتج الوطني، وفي المرحلة الحالية تمثل مشكلة البطالة الهاجس الأكبر والأهم للوزارة، ومن الطبيعي بل من الواجب أن تعمل الوزارة وبخطوط متوازية إلى اقتراح وتطبيق الحلول والأفكار والبرامج الهادفة إلى تقليص معدلات البطالة والاستثمار الأمثل للموارد البشرية الوطنية وتعزيز كفاءة وتنظيمات السوق، ومن الإنصاف الإشادة بالجهود التي تقوم بها الوزارة في هذا الاتجاه التي وإن لم يظهر أثرها واضحاً في الوقت الحالي إلا أنها تمثل خطوات مُقدرة في الطريق الطويل نحو معالجة البطالة وتنمية الموارد البشرية الوطنية، وقبل أيام أصدرت الوزارة قراراً بالبدء في تطبيق قرار مجلس الوزراء رقم (353) الصادر قبل عام المتعلق بفرض رسوم قدرها (2400) سنوياً على كل عامل وافد يزيد عن متوسط عدد العمالة الوطنية في أي منشأة، هذا القرار يبدو أنه لم يأخذ حقه من الدراسة والتمحيص على الرغم من أنه قرار مفصلي ويتجاوز أثره منشآت القطاع الخاص إلى المجتمع بأكمله، فالقرار يرفع تكلفة العمالة الوافدة وهو ما يؤدي تلقائياً إلى ارتفاع تكلفة الخدمات والمنتجات التي يتحملها في النهاية المواطن، ولعل أكثر المتضررين من هذا القرار هي المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تشكل ما يقارب 90% من القطاع الخاص في المملكة، ويساوي القرار بين كافة المنشآت على اختلاف أنشطتها وأحجامها ومواردها، ومن المعروف أن إحدى مشاكل سوق العمل تكمن في المنشآت غير المملوكة للمواطن أو ما يمكن تسميتها بمنشآت "التستر التجاري"، إضافة إلى العمالة المُهملة وغير الخاضعة للعمل مع المنشأة التي استقدمتها، بمعنى أن العمالة الوافدة السلبية والضارة هي تلك المنضوية تحت هذين الصنفين، أما العمالة الوافدة التي تمارس نشاطها مع المنشأة التي استقدمتها وفي حدود "عقد العمل" فإنها عمالة إيجابية، صحيح أن لها تأثيرات سلبية إلا أنها إحدى ضرورات السوق ويصعب على المملكة - على الأقل في هذه المرحلة - الاستغناء عنها.

وهكذا فالذي سيدفع ثمن هذا القرار هي المنشآت الصغيرة الجادة أما تلك المنشآت الواقعة تحت "التستر التجاري" أو تحت نوع "تسريح العمالة" فلن تتأثر كثيراً بهذا القرار لارتفاع مداخيل عمالتها من جهة، ولانخفاض تكاليفها الثابتة من جهة أخرى، والأجدر بالوزارة أن تعمل على إصدار قرارات تهدف إلى اجتثاث هذين النوعين من المنشآت ومحاربتهما والتضييق عليهما، ومع التسليم بصعوبة المهمة بسبب تواطؤ صاحب العمل السعودي مع هذه المخالفات إلا أن الوزارة بالصلاحيات الممنوحة لها قادرة، أو بالأحرى مُطالبة، بابتكار الآليات والصيغ الكفيلة بمكافحة هذه المخالفات التي تتجاوز آثارها السلبية التحويلات المالية الكبيرة إلى الممارسات غير التنافسية في العمل التجاري، وأحيانا غير المشروعة، ناهيك عن تأثيراتها السلبية على توفير فرص الأعمال الحرة للعمالة الوطنية.

القرار بحسب وزارة العمل يهدف إلى تحقيق عدة مقاصد، اكتفت الوزارة بذكر ثلاثة منها، أولها وفق ترتيب الوزارة في موقعها الإلكتروني: "تأمين الموارد المالية لبرامج وخدمات التدريب والتوظيف للمواطنين الباحثين عن عمل" أما الهدف الثاني فهو: "رفع تكلفة العمالة الوافدة بهدف التقليل من الاستقدام"، في حين جاء الهدف الثالث: "تشجيع المنشآت على توظيف العمالة الوطنية"، ومع أنه يُحسب للوزارة انتهاجها مبدأ الشفافية والوضوح في الحديث عن الهدف الأول المتعلق بتأمين الموارد المالية لبرامج التدريب والتوظيف إلا أن هذه المهمة من واجبات ومسؤوليات الدولة، والواضح أن الدولة لا ترغب في التخلي عن هذه المهمة بدليل أن مخصصات التدريب والتعليم للعام المالي الحالي بلغت 24% من إجمالي مصروفات الميزانية العامة، كما إن إنشاء وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية يؤكدان التوجه نحو سعي الحكومة إلى إيجاد الحلول والمعالجات المدعومة مادياً و"لوجستياً" لمعالجة مشكلة البطالة، إضافة إلى أن تحميل القطاع الخاص تكلفة إدارة برامج وخدمات التدريب والتوظيف يتعارض مع سياسات الدولة الهادفة إلى دعم ومؤازرة هذا القطاع لإعطائه دورا أكبر في التنمية الاقتصادية.

إن التأثيرات السلبية المتوقعة من تطبيق هذا القرار، ومدار المصلحة العامة يقتضيان إعادة النظر في صيغته وتوقيت تنفيذه، وأحسب أن وزير العمل المهندس عادل فقيه بتجربته الثرية في القطاع الخاص وبمعرفته بأبعاد ارتفاع تكلفة التشغيل والإنتاج على الأسعار وتداعياتها على المواطن وعلى قطاع الأعمال لن يجد حرجاً أو بأساً من تعليق وإرجاء تطبيق هذا القرار وإخضاعه لمزيد من الدراسة والفحص والتداول، وصولاً إلى صيغة تحقق الأهداف المرجوة دون أن تؤدي إلى آثار سلبية يتحمل كلفتها المواطن ومنشآت القطاع الخاص.