"أعرف الوقت الذي تتمارض فيه والدتي، بل وحتى اليوم والمكان الذي تشتكي فيه من الألم الذي يزول بعد زيارتنا لأول عيادة، وعندما يرانا الطبيب يوزع الابتسامات، فهو أيضا اعتاد زيارتها لعيادته مرة كل أسبوع، وبنفس التوقيت، وبعد مضي دقائق يذهب الوجع من تلقاء نفسه، حتى قبل وصولنا للصيدلية لصرف الدواء، فتطلب مني في كل مرة عدم صرف الدواء لزوال المرض"..

هذا ما قاله أحمد الصقري والملقب بأبي فهد والذي يصف ظاهرة غريبة اعتاد عليها، وهي تمارض والدته حيث يضيف: "تمارض والدتي كل مرة أرغب فيها بالخروج مع زوجتي بات يقلقني كثيرا، ولا أعلم السبب، فأنا وزوجتي نحيطها بكامل الرعاية والاهتمام، ولا ينقصها شيء، فجميع احتياجاتها الأساسية نقضيها قبل احتياجاتنا". وتابع الصقري قائلا: "لا أستطيع أن أرفض لها طلبا، ولابد من تلبية رغبتها في الذهاب للطبيب، حتى وإن كان مرضها وهميا، وأعلم سببه مسبقا، ولكن الأمر الذي يزعجني فشلي المتكرر في الخروج مع زوجتي، وشعوري أنني مقصر في هذا الجانب".

ومن تمارض كبار السن إلى تمارض الصغار، حيث تقول وفاء الجهني: "منذ أن أنجبت طفلي الثاني والذي لم يتجاوز عامه الأول أصبحت طفلتي فاتن البالغة من العمر ست سنوات تفتعل الأشياء لمحاولة لفت انتباهي، من ذلك ادعاؤها المتكرر للمرض، خاصة وجع البطن الذي لا يوجد له أي مؤشر يرشدني إلى كونه حقيقة أم خيالا". وأضافت "أصبحت أضيق ذرعا من تلك الشكاوى المتكررة والادعاءات، وكنت في البداية أهرع بها إلى الطبيب، ولكن بمرور الوقت أصبحت أتجاهلها، خاصة أني على معرفة بموعد تلك الشكاوى والأمراض الوهمية، التي تدعيها طفلتي أثناء تلبيتي لاحتياجات أخيها الصغير". في المقابل أكثر ما يرهق الثلاثينية بدور الساير هو كثرة شكوى والدها من المرض، خاصة عندما ترغب في الخروج مع زوجها الذي تربطه صلة رحم بوالدها، فهو عمه أخ والده، حيث تقول: "فضلت أن يقيم والدي في منزلي بدلا من بقائه عند أحد إخوتي، لصلة الرحم التي تربط زوجي بوالدي، ولكن لاحظت أنني كل مرة أنوي الخروج مع زوجي في نزهة بمفردنا أو زيارة لإحدى الصديقات، يبدأ والدي في العزف على وتر المرض الذي أصبح متلازمة عنده كلما رغبت في الخروج مع زوجي".

من جانبها أكدت اختصاصية علم الاجتماع، مطيعة الغامدي، أن "تلك الشكاوى كثيرا ما تظهر، خاصة من الأطفال وبعض من المسنين. ويرجع ذلك إلى شعور هاتين الفئتين بالنقص الاجتماعي".

وتضيف أن "الرغبة في لفت الانتباه هى التي تجعل المسنين والصغار في السن يلجؤون إلى التمارض لجلب اهتمام من حولهم، فعندما يشعر الشخص أنه قد يكون وحيدا في بعض الأحيان يعمد إلى تلك الادعاءات، فيترجم حاجته إلى القرب والونس وعدم بقائه وحيدا إلى ادعاء المرض، وقد تتكرر تلك الحالة في حال رضخت الأسر إلى تلبية تلك الرغبة، وهنا قد تصبح متلازمة لدى المسنين والأطفال". ودعت الغامدي إلى ضرورة الاهتمام بهاتين الفئتين، وأن ندرك أن تلك الادعاءات هي تعبير خفي منهم عن الحاجة للعطف والرعاية والمزيد من الاهتمام. وقالت: "على الأسر أن تعي أن كبار السن بحاجة إلى الإشباع العاطفي ممن يعيشون حولهم، فبعضهم يعبر عن ذلك الاحتياج عن طريق تلك الحيل، أما البعض الآخر فيلتزم الصمت الذي قد يقودهم إلى الشعور بالوحدة". وعن السبب الذي يجعل من تلك الفئة تدعي التمارض، تقول "المسنون والأطفال دائما قدرتهم على حل المشاكل منخفضة، أيضا لديهم نقص في مهارات الاتصال مع الآخر بسبب سنهم، فيلجؤون إلى التمارض، ويجدون فيه حلهم السريع والشافي لطلب القرب والاهتمام".