كان عدد الحفلات الموسيقية في أمسية واحدة يصل إلى 15 حفلا، إلى درجة أن الاختيار بينها كان قرارا صعبا، إذ كانت الحياة تدب في أوصال العاصمة العراقية بغداد مع قرع الطبول ونغمات أوتار العود وشجن الناي الحزين، لكن هذا الزمن انقضى وصار من الذكريات والماضي البعيد، حيث فر الكثير من أمهر العازفين من العراق خلال حكم الرئيس السابق صدام حسين، خوفا من التعرض للاضطهاد بسبب آرائهم السياسية، ولقلة الموارد المالية إذا هم رفضوا تمجيد القائد.أما الآن فقد بدأ بعض العازفين يخططون للعودة أملا في إحياء التراث الموسيقي العراقي الثري على أرض العراق.
وقال عازف العود العراقي نصير شمة أول من أمس على هامش حفل في بغداد هو الثاني له في بلاده منذ ما يقرب من 20 عاما قضاها في المنفى "لا يبدو هذا غريبا الآن، يتصلون بي ويبعثون إلي برسائل يسألونني عما شاهدته"، وأضاف: "نعم هذا وقت العمل لمساعدة الشعب العراقي، ومن واجب كل عازف عراقي أن يكون هنا".
بدأ شمة (49 عاما) العزف على العود وهو في سن الحادية عشرة وهرب من العراق عام 1993 إلى تونس بعد أن تحدث علانية عن انتهاكات حقوق الإنسان وغياب الديموقراطية في ظل حكم صدام وانتهى به الأمر في السجن، أما الآن فإن شمة يعيش في القاهرة. لكن إجراءات الأمن التي اتخذت في حفل شمة بأحد الفنادق الفاخرة في المنطقة الخضراء المحصنة بالعاصمة العراقية توحي بأن طريق النهوض بالموسيقى في العراق مازال طويلا. واضطر جمهور من المسؤولين في الحكومة العراقية والموسيقيين والصحفيين ـ تأنقوا جميعا لهذا الحفل ـ للمرور عبر عدة نقاط تفتيش حتى يتمكنوا من الوصول للقاعة التي أقيم فيها الحفل، بل وتحملوا تفتيشا بالكلاب المدربة.
وقاد شمة بعوده الفرقة الموسيقية التي ضمت عازفين للكمان والأكورديون والفلوت وآلات نحاسية في أغنية رومانسية هادئة. ومع تزايد سرعة الإيقاع في مقطوعات أطول وأكثر مرحا اعتمدت على إيقاع الطبول انطلق تصفيق كثير من الجالسين في القاعة الذين بلغ عددهم 300 شخص مع النغمات.
وقال شمة إن حفلات مثل حفله الذي استمر ساعتين ونظمه اتحاد الصحفيين العراقيين تعيد الروح للحفلات الموسيقية في البلاد رغم أن الترتيبات ليست مثالية. وفي وقت سابق من العام الجاري عزف شمة في حفل مماثل خلال اجتماع للقادة العرب. وأضاف شمة "لكنني أحب العزف في مناطق شعبية ليس مثلما هو الحال هنا في وجود الكثير من إجراءات الأمن في الخارج.. أريد أن يأتي أصدقائي والشباب.. وأفضّل قاعات الحفلات الأصغر حجما، لأنها تقرب المسافة بين الفنان والجمهور".
ويأمل شمة أن يعود في حفل مماثل في العراق خلال شهر رمضان، كما أنه يخطط لافتتاح مدرسة للعود بنهاية العام الجاري ببغداد. أما عازف الساكسفون الفنان العراقي حميد البدري، وكان ضمن الفرقة الموسيقية، فيرى أن مجرد إقامة الحفل في فندق فاخر شيء يدعو للارتياح. يقول البدري الذي كان يرتدي ملابس سوداء بالكامل "غادرت العراق قبل عشر سنوات، لأن القاعدة حاولت قتلي بدعوى أنني فنان.. لأن الموسيقى حرام بالنسبة لهم". ويضيف "الآن اختلف العراق، وهذا شيء جميل. إنها أول مرة أعزف فيها هنا منذ سافرت".
وبعد عدة ليال غنت المغنية الثورية التونسية آمال المثلوثي في ناد اجتماعي بالعاصمة أمام جمهور من الدبلوماسيين والمسؤولين العراقيين والمدرسين في حفل نظمه المعهد الفرنسي.