مرت ببلادنا الغالية خلال الأشهر الماضية أيام حزينة قاسية؛ حين وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز (تغمده الله برحمته) الذي شارك بإخلاصه وعطائه في بناء وطنه وازدهاره أكثر من ستة عقود كان له خلالها الجهد العظيم في تنظيم وبناء قواتنا المسلحة السعودية بجميع قطاعاتها وفروعها، وكان له أيضا الدور الفاعل منذ عهد والده المؤسس وفي عهود إخوته الملوك الأشاوس بتعميق وحدة وقوة وتلاحم وازدهار كياننا السعودي الكبير؛ فكانت لوفاته وطأة حزن عميق في نفوس أبناء وبنات شعبه وجرح أليم في قلوبهم، إلا أن الله قيّض لهذه النفوس الحزينة والقلوب الجريحة ما خفف آلامها وجدد آمالها وقوّى عزائمها باختيار وتوجيه سام كريم من قائد المسيرة محب الشعب أبي متعب (حفظه الله وأدام عزه) وبتوافق بين أعضاء هيئة البيعة على مبايعة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية، وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز وزيرا للدفاع، فهدأت النفوس واطمأنت القلوب بهذا الاختيار الحكيم لأميرينا الجليلين المتميزين إخلاصا ووطنية ومحبة اجتماعية وخبرة عملية وإدارية وحنكة وحكمة قيادية ومؤازرة صادقة مخلصة لولي الأمر.
وما إن بدأت جروح الأسى إثر فقد سلطان المحبة والعطاء تندمل حتى ابتلينا بحادث جلل ومصيبة صعبة عمقت جراحنا قبل أن تندمل؛ بوفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله) فكانت مفاجأة نزلت نزول الصاعقة على أبناء وبنات وطنه، لأنه كان صرحا شامخا نايفا، ليس للأمن السعودي فحسب بل للأمن العربي والإسلامي بكفاحه الصامد، وإخلاصه الصادق في محاربة الإرهاب والإرهابيين، ومكافحة الخونة والمارقين؛ حتى إن فلسفته وخططه التي تبناها وحرص على تطبيقها وتنفيذها مع رجال الأمن السعوديين البواسل في مكافحة الإرهاب ومباغتة المجرمين أصبحت تطبق دوليا وتدرّس أكاديميا. وبفقده فقد الوطن وقيادته مفكرا مخلصا معطاء في مسيرة أمن الوطن، ومؤمنا صبورا مكافحا في النوائب والفتن، وساعدا مخلصا لمليكه؛ حريصا على ازدهار وطنه؛ محبا لشعبه؛ ورائدا لأمته؛ وساهرا على راحته.
وحيث إننا ولله الحمد والمنة في سعوديتنا الغالية نستمد نظم توافقنا، وأواصر أخوتنا، وأسس وحدتنا من تعاليم إسلامية قويمة ومفاهيم عربية حكيمة وأسس اجتماعية نزيهة راسخة تركنا عليها جلالة الملك المؤسس القدير لهذا الكيان الكبير، مستضيئا بأفعال وأقوال سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم) في كيفية اختيار خير خلف لخير سلف وفق توجه ومسار مؤسسي مُحكم مبني على متطلبات البيعة الإسلامية، ومعطيات أنظمة الحكم الأساسية التي أعدّت بدقة وعناية واعتُمدت بمحبة سامية ورعاية أسهمت بفضل الله في تقوية أواصر تعاون المواطنين ووحدة الوطن، ونبذ الخلافات والفتن، وساعدت على تداول المناصب القيادية المهمة بسلامة وثقة تامة، ولأننا أصبحنا قيادة وشعبا نؤمن بتلك المتطلبات الكريمة ونحرص على كل المعطيات الحكيمة في التوافق الفكري والتلاحم الوطني والتعاون الاجتماعي، والعمل المؤسسي؛ فقد استطعنا بفضل الله، ثم في ضوء الإيمان بالقضاء والقدر أن نصبر على مصائبنا ونتجاوز مصاعبنا، وأن نعمل بكل قدراتنا وإمكاناتنا لازدهار وتطوير مسيرة وطننا؛ فجاء الاختيار السامي من لدن والدنا ومليكنا مبنيا على ما تؤكده أنظمة الحكم الأساسية والبيعة الوطنية وما فيه المصلحة العامة للوطن والشعب بكل حرص وحب بأن يصبح صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز وليا للعهد نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للدفاع، وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبد العزيز وزيرا للداخلية.. وذلك للقيام بالمهام الجسام الجليلة ومواصلة الأعمال الوطنية النبيلة التي كان فقيد الوطن الوفي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله) يهتم ويقوم بها لأكثر من أربعة عقود في حماية وتوطيد الأمن؛ ثم في المشاركة الرائدة في ازدهار وتطوير الوطن.. نعم إنه الاختيار السامي حقا؛ الذي تقبله أبناء وبنات هذا الوطن وكل محب مخلص لهذا الوطن بكل ارتياح واطمئنان؛ إجلالاً وإكبارا بالاختيار السامي الرصين، واعتزازا وافتخارا بسموهما الجليلين؛ سيرة وقدرا، وخبرة وفكرا لأن كلاًّ منهما نبع عطاء صادق بسيرة عطرة وأفكار نيّرة وإنجازات باهرة خالدة في عقول ونفوس أبناء وبنات وطنه.
فولي العهد الأمين سلمان بن عبد العزيز أمير مبادرات الخير والعطاء؛ قدوة الإخلاص والوفاء، ذو الحنكة والحكمة والخبرة إدارة وإمارة، وذو عناية فائقة بمجالات التعليم والتربية وسعة الاطلاع والمعرفة؛ وما الثناء الصادق على عطاءات وإنجازات سموه الجليلة، الذي ازدانت به وسائل إعلامنا شعرا ونثرا من المفكرين والإعلاميين والأدباء ورجال الأعمال إلا حقائق ساطعة في سيرته الفاضلة.
وإضافة إلى تلك الاهتمامات الإدارية والإنمائية والاجتماعية والخيرية الشاملة من لدن سموه فإنه (حفظه الله) في مقدمة رواد مسيرة التعليم في المملكة، وليس أدل على ذلك من أنه صاحب المبادرة الرائعة في مسيرة التعليم الأهلي والجامعي الذي لا يهدف للربح المادي، حيث كرّس جهده وأعطى كريم دعمه في تأسيس مدارس الرياض للبنين والبنات عام (1391هـ) كأول مدارس أهلية في المملكة لا تسعى للربح المالي بقدر ما تسعى لتوفير أفضل السبل العلمية والتقنية وتطوير البرامج التعليمية والتربوية، ثم تأسيس جامعة الأمير سلطان الأهلية التي كانت عنوان محبة ووفاء من أهالي مدينة الرياض لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز (طيب الله ثراه).
لقد أعطى سمو الأمير سلمان فيض اهتمامه وتوجيهه لتلك المدارس وهذه الجامعة وقدمهما نموذجين متميزين في تربية وتعليم الأجيال الصاعدة، ونهجا يقتدى به في حسن الرعاية والعناية الفائقة. ولن ينسى الأدباء والمفكرون والمؤرخون أن سموه الكريم رائد التحقيق والتوثيق المتميز لتاريخ المملكة ولتراثها ومعطياتها المتعددة، سواء من خلال اهتمامه الثقافي الشخصي أو بدعمه وتوجيهه الرسمي لدارة الملك عبد العزيز التي حظيت منذ حوالي سبعة عشر عاما برئاسة سموه لمجلس إدارتها حتى أصبحت من أهم صروح العلم والمعرفة التاريخية المعطاءة.
وللأمير أحمد بن عبد العزيز في نفوس مواطنيه وعارفي فضله محبة ووئام وهيبة واحترام، فقد ساهم بكل جدّية وعظيم عطاء في الحفاظ على أمن وهناء الوطن والمواطنين والمقيمين والحجاج والمعتمرين أكثر من أربعة عقود مباركة منذ تعيينه (حفظه الله) وكيلاً لإمارة منطقة مكة المكرمة، فكان ذلك الأمير الجامعي الشاب الذي يتميز بحسن خلقه ومحافظته الدائمة على أمور دينه والجدّية في أداء عمله قدوة لأقرانه وشباب أمته في المحبة والإخلاص وحسن العطاء لوطنه ومواطنيه.. وعندما تم اختياره وتعيينه نائبا لشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير الفقيد نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية آنذاك استبشر المواطنون خيرا لما يعرفونه في سموه الكريم من سمات الحِلم، والعزم، والحسم، وكريم التعامل والاهتمام بشؤون وقضايا المواطنين والمقيمين خلال استقباله اليومي لهم، والاستماع لمطالبهم وآمالهم، والمعالجة الحكيمة لمعاناتهم وآلامهم.. وكان سموه الكريم وعضيده الأبيّ صاحب السمو الملكي الأمير الشهم الوفي محمد بن نايف بن عبد العزيز (مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية) السّاعدين القويّيّن المخلصين لفقيدنا الغالي نايف العهد والأمن (طيب الله ثراه) في الحفاظ على تلاحم ووحدة هذا الشعب وتقوية أواصرها بكل عدل ورعاية، واهتمام فائق بتعميق حب الوطن والإخلاص له في كل أرجائه وفي نفوس مواطنيه والمقيمين فيه.
فهنيئا لأمتننا وبلادنا بهذا الإنجاز القيادي الحكيم وهذا القرار السامي الكريم من والدنا ومليكنا المفدّى باختيار قدوة الإخلاص والوفاء الأمير سلمان بن عبد العزيز وليّا للعهد وتعيين رمز الشهامة والإباء الأمير أحمد بن عبد العزيز وزيرا للداخلية، والحمد لله دائما وأبدا على ما حبانا به من خير وبهجة وروح تلاحم ومحبة تربطنا وشائجها القويّة دينيّا واجتماعيّا ووطنيّا في السرّاء والضرّاء، وتدعم أواصر جهودنا لمزيد من التطور والازدهار في وطننا الغالي المعطاء.