بعد نحو قرن كامل تحتفي الثقافة العربية هذا العام بعميد الأدب العربي قاهر الظلم قبل الظلام عمنا/ "طه حسين"، وتعترف بدوره الأصيل في الفكر العربي معيدةً نظرياته التي أقامت الدنيا ولم ولن تقعدها، من جديد!
ارتبط اسم "طه" بقضيتين مركزيتين، الأولى: تبنيه ما يعرف بـ"النحل" أي تزوير الشعر الجاهلي! والثانية: التغريب أي محاولة تطبيق مناهج الحياة الغربية في كل المجالات على الحياة العربية الشرقية "اسم الله عليها"!
أما القضية الأولى فلابد أن تسأل وتتساءل وتنسئل: هل كان "طه حسين" يستهدف الشعر الجاهلي بإعادته نظرية قال بها عشرة قبله على الأقل في تسعة قرون هجرية، وتنتهي يإجماع السابقين على أن النحل تسرب إلى الشعر الجاهلي لطبيعة الرواية الشفهية، ولكن لا يمكن نسفه كله، يعني: "فيها قولان" و"كل يصلح سيارته" حسب الدكتور/ "ساهر بن حافز"!
لو كان هذا هدفه لانتهى الجدل حوله كما انتهى مع غيره، ولكن الجدل ما زال وسيظل مستمراً لأنه كان يرمي إلى أبعد وأعمق من ذلك بكثير: لقد كان يريد ـ كما قال في مقدمة "الشعر/ الأدب الجاهلي"ـ أن يطبق منهج "ديكارت" العلمي على الثقافة العربية التي غمرها الزيف حتى فيما يتعلق برسولها العظيم، فداه كل من خان رسالته وشوه تعاليمها! وإطلالة سريعة على فهرس "سلسلة الأحاديث الموضوعة" للألباني تجعلك تحمد الله على نعمة الصلع وإلا لوقف شعر رأسك! وإذن: ما هو المنهج الديكارتي غير إحياء منهج "الجرح والتعديل"؟ وهو منهج البحث العلمي المكون من أربع خطوات يطبقها كل من يتقدم لإنجار أطروحة علمية: التخلص من القناعات السابقة ـ تفكيك المشكلة إلى أصغر أجزائها ـ إعادة تركيبها وفحصها ـ وأخيراً الاستنتاج! وهو ما فعله "طه حسين" بعصب الثقافة العربية/ الشعر والأدب، كما فعله "ديكارت" بعصب الثقافة الغربية/ "الرياضيات"! ولكن ترجمته ووصفه بـ"الشك" هو ما أثار هذه البلبلة حول مشروع "طه" في أمة لا تقرأ بقدر ما تسمع، ولا تستفهم بقدر ما تتهم، ولا تنام لكنها "تتنيأم/ تتنيوم"!
تطبيق "المنهج" العلمي بصرامة لا بد أن يؤدي إلى نسف الثقافة العربية من "لغاليغها"، وما الشعر الجاهلي سوى اللبنة الأولى فقط؛ طبقاً للمثال الذي ضربه "ديكارت": هناك تفاحة فاسدة لو تركتها ستفسد الصندوق كله.. والعمل؟ هو أن تفرغ الصندوق كله ثم تعيد التفاح السليم "حبة حبة"! وإذا سلمت بأن هناك ثلاث تفاحات غيرت الدنيا/ تفاحة آدم، وتفاحة "نيوتن"، وتفاحة "ستيف جوبز" أفلا نضيف تفاحة رابعة باسم عمنا/ "طه حسين"؟ وهي قوله في خاتمة "الشعر/ الأدب الجاهلي": "النص العربي الوحيد الذي لا سبيل إلى الشك فيه هو القرآن"! أي إنه يريدنا أن نبدأ تأسيس ثقافتنا من جديد بالقرآن الذي نسف به محمد صلى الله عليه وسلم الجاهلية الأولى وليست الأخيرة!
ولك أن تتخيل حجم المرارة "الطحسنية" حين يتهم بمعاداة القرآن من يؤمن بأنه الحقيقة الوحيدة!