يعرف معظم الناس في العالم الآن أن الجنرال بترايوس أجبر مؤخرا على الاستقالة من منصبه كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) على خلفية علاقة ارتبط بها مع امرأة غير زوجته. الصحف الشعبية الأميركية والبرامج الإخبارية التلفزيونية أشبعت الشعب الأميركي بتفاصيل حول الطيش الشخصي للجنرال بترايوس. "المرأة الأخرى" بولا برودويل، وهي ضابطة سابقة في الاستخبارات العسكرية، تصدرت الصفحات الأولى لجميع الصحف الأميركية والمجلات الإخبارية. الأميركيون مدمنون على الإشاعات الكثيرة، وشهيتهم تم إشباعها منذ الاستقالة المفاجئة لبترايوس في 9 نوفمبر.

لكن القصة الحقيقية وراء سقوط الجنرال من منصبه أكثر أهمية وجدية. وهي تنفذ إلى قلب سياسة أوباما نحو العالم الإسلامي.

يقارن الجنرال بترايوس خطأ مع الجنرال جورج مارشال والجنرال دوايت إيزنهاور، وهما جنرالان أميركيان عظيمان قادا الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية وانتصرا على قوى المحور. اسمه طرح من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي كمرشح محتمل للرئاسة في عام 2016. بعض الجمهوريين غير الراضين عن اختيارات المرشحين في الانتخابات الرئاسية التي انتهت للتو، حاولوا حتى أن يقنعوه بترشيح نفسه عن الحزب الجمهوري لانتخابات عام 2012. كان بترايوس نجما صاعدا.

ومع ذلك كان هناك نقاد أقوياء لبترايوس ولأسباب وجيهة. كمهندس للعمليات العسكرية الأميركية في العراق وفيما بعد في أفغانستان، كان الجنرال بترايوس مؤيدا لاستخدام الطائرات بدون طيار ووحدات العمليات الخاصة في اغتيال أهداف من الأعداء حول العالم. كان الوجه العام لسياسة الرئيس أوباما سيئة السمعة في "قائمة الاغتيالات".

داخل وكالة الاستخبارات الأميركية، كان الجنرال بترايوس يتعرض لانتقادات شديدة بسبب تحويله الوكالة الاستخباراتية إلى ذراع مساعد لوحدات العمليات الحربية الخاصة في البنتاجون. وكان ينظر إليه بشكل واسع على أنه يقوم بعسكرة وكالة الاستخبارات المركزية ويدمجها مع "الحرب العالمية على الإرهاب" على حساب كثير من الوظائف الاستخباراتية الهامة الأخرى. أحد كبار ضباط الاستخبارات الأميركية، الذي كان بين منتقدي بترايوس، شرح لي الموقف كما يلي:

العالم الإسلامي يتعرض لتغييرات كبيرة. صعود "الإسلام السياسي" يمثل تحديا جديدا ومهما للولايات المتحدة. الإخوان المسلمون وصلوا إلى السلطة في مصر وتونس وتركيا. احتمالات قيام حكومة إسلامية في سورية واضحة. وهناك قوى جديدة تنافس على السلطة في لبنان. الصراع بين إيران والدول العربية تأخذ منحى أكثر جدية.

ومع بروز كل هذه التحديات المهمة، على وكالة الاستخبارات المركزية أن تحاول البقاء في مقدمة هذه الأحداث. هناك حاجة لفهم عميق لهذه التغييرات الكبيرة في العالم الإسلامي لتتجنب أميركا ارتكاب أخطاء مكلفة. استمرار استخدام الطائرات بدون طيار يكسب أميركا عددا كبيرا من الأعداء. فرغم الادعاء بعكس ذلك، الطائرات الأميركية بدون طيار تقتل مدنيين أبرياء في كافة أنحاء العالم.

في 22 مايو، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا حول لقاءات أجرتها الصحيفة مع 36 شخصا من مساعدي أوباما الحاليين والسابقين. المقال يبدأ بالحديث عن الرئيس أوباما وهو يتصفح كتابا من الصور والسير الذاتية لـ 15 شخصا يشتبه بأنهم من القاعدة في اليمن، والرئيس يختار من يجب قتله. عدد منهم أميركيون، وفيهم فتاة عمرها 17 سنة. معظم هؤلاء لم توجه إليهم اتهامات في السابق.

أحد المساعدين الـ36 السابقين قال إنه عندما يمارس "المحامي" أوباما مهاراته القانونية فإنه يفعل ذلك لتمكين الاغتيالات وليس للحد منها. كم عدد المساعدين السابقين الذين استقالوا أو أقيلوا لأنهم كانوا ضد عمليات القتل هذه؟ السفير الأميركي إلى باكستان كاميرون مونتر، الذي استقال، قال إنه لا يفهم أن عمله الرئيسي هو قتل الناس, المدير السابق للاستخبارات الوطنية الأدميرال دنيس بلير، الذي طرده أوباما من عمله، قال إن النقاشات داخل البيت الأبيض حول استراتيجية طويلة المدى ضد القاعدة تم تهميشها لحساب التركيز المكثف على الاغتيالات.

الآن، وكالة الاستخبارات المركزية خبيرة في تنظيف البيت من الداخل. عندما حاول الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني أن يستغلا وكالة الاستخبارات المركزية لإصدار تقارير استخباراتية مضللة لتبرير الحرب على العراق، رد المجتمع الاستخباراتي بموجة من التسريبات الإعلامية التي تسببت في الضرر للبيت الأبيض.

بطريقة مماثلة، قيل لي إن سقوط الجنرال بترايوس جاء نتيجة لمحاولاته إعادة تعريف وكالة الاستخبارات المركزية كمنظمة ملتزمة بالاغتيالات عن طريق الطائرات بدون طيار والعمليات الخاصة الأخرى.

قضية الجنرال بترايوس بدأت لتوها. ستكون هناك جلسة اجتماع في الكونجرس خلال الأسابيع القادمة للتحقيق في فشل الاستخبارات الذي أدى إلى مقتل السفير كريس ستيفنز في بنغازي. الجنرال بترايوس سيطلب للشهادة كمواطن عادي حول ما يعرفه.

سيكون على الرئيس أوباما أن يختار مديرا جديدا لوكالة الاستخبارات المركزية. جلسات الاستماع للمصادقة على هذا الاختيار ستثير جميع قضايا السياسات التي أدت إلى سقوط بترايوس. المحللون وكبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية أوصلوا رسالة إلى الرئيس ومساعديه مفادها: سياسة الطائرات بدون طيار تكسب الولايات المتحدة أعداء في سائر أرجاء العالم الإسلامي، وهذه سياسة سيئة للغاية ويجب تغييرها.

السؤال الأهم من كل هذا هو: هل سيفهم الرئيس وكبار مستشاريه الأمنيين الرسالة ويتصرفون على أساسها؟