-1-

لكل أمة وجهان: وجه قبيح، ووجه حسن.

فالعرب كان لهم وجهان. وجه حسن يتمثل في قيم الكرم، والجود، والشهامة، والفروسية، والدفاع عن المظلوم.. إلخ. وكان لهم وجه قبيح يتمثل في ظلمهم للمرأة، ودفن الأطفال أحياء خشية الفقر (لم يقتصر الوأد على الإناث فقط، وإنما شمل الذكور أيضاً، مخافة الفقر) وفرديتهم، وحبهم للتسلط، وكراهيتهم وعداوتهم للآخر، وتبعيتهم للفرد، وقيمهم القبلية المتمثلة بالثأر الدموي، وحرمان الأنثى من الميراث وحق اختيار الزوج .. إلخ.

والأميركيون لهم وجه قبيح، ووجه حسن كذلك.

وجههم القبيح، يتمثل في سباق التسلح والهيمنة الأميركية العسكرية (ولعل لها جوانب مفيدة تتمثل في قمع الديكتاتوريات التي لا ولم تقدر على قمعها شعوبها كالنازية والفاشية والشيوعية والصدامية.. إلخ) وقيام هذا المجتمع الاستهلاكي المسعور سُعاراً لا يوصف. ولعل هذا سر من أسرار ازدهار الاقتصاد الأميركي، كما يقول بعض الاقتصاديين. كما يتمثل قُبح الوجه الأميركي في تحويل كل شيء في الحياة الأميركية إلى (مُنتج Product)، وتحويل أميركا كلها إلى شبه شركة تجارية كبيرة Corporation بما في ذلك الفن، والأدب، والثقافة، والتعليم، الذي أصبح تجارة أميركية مشهورة تساهم في الدخل القومي الأميركي.. إلخ. كما يتمثل وجه أميركا القبيح في إنتاج الفن الشعبي من موسيقى وأغانٍ، ذات الاستهلاك السريع Fast Art الذي يشبه وجبات الطعام السريعة Fast Food. أما وجه أميركا الحسن فيتمثل في قيم التسامح، والحرية، والديموقراطية، واحترام الآخر، وقبوله (هناك أكثر من ستين جنسية، وأكثر من عشرة أديان، وأكثر من عشرين عِرقاً، تنخرط كلها في بوتقة الشعب الأميركي الواحد)، وتدفق المعلومات، والتقدم العلمي، والتكنولوجي، والاقتصادي، والتعليمي، والفني، ونشر معاهد الدراسات المتخصصة المختلفة، والتبرع لها من قبل المؤسسات ورجال الأعمال، ونشر قيم التعاون الاجتماعي، ونشر قيم السوق الحرة، والعولمة.. إلخ.

-2-

كل الأمم والحضارات والثقافات تتلاقح.

الأمم الواعية، هي الأمم التي تأخذ من الغير أحسن ما عنده. أي تأخذ الوجه الحسن، وتترك الوجه القبيح.

وعندما امتدت يد الغرب إلى التراث الإغريقي في عصر التنوير، في القرنين السابع عشر والثامن عشر، لم يأخذ الغرب من هذا التراث غير الوجه الحسن، وترك الوجه القبيح. أخذ الغرب عن الإغريق الفلسفة، والعلوم، والفكر، والديموقراطية، وترك الوجه القبيح في المجتمع الإغريقي.

وعندما امتدت يد الغرب إلى التراث العربي، لم تأخذ منه كل شيء، وإنما أخذت الحسن، وتركت القبيح أيضاً. أخذت منه ما تمَّ أخذه من قبل العرب عن الإغريق. فأخذت منه العلم في كافة أشكاله، وتركت له القيم المتخلفة، لأن هذه القيم تخصّه وحده، ولا تخصُّ شعباً آخر، ومنها عدم مساواة المرأة بالرجل، وضرب المرأة، وإجبارها على الاستجابة تحت أي ظرف للنداء الجنسي للرجل، وحرمانها من الإرث ومن حقوقها الوظيفية، وتكريسها للعَلَف والخَلَف.. إلخ.

كذلك فعل اليابانيون، عندما بدأوا بالتلاقح مع الحضارة الغربية بالقوة بدءاً من عام 1852. فأخذوا علمها، وتركوا قيمها الاجتماعية، التي لا تتناسب مع قيمهم.

-3-

العرب في حاضرهم، فعلوا عكس ما فعلته الشعوب الأخرى. فأحبوا الحياة على الطريقة الأميركية، وأحبوا لباسها، وطعامها، وشرابها، وفنها، ولكنهم أخذوا منها أقبح ما لديها.

فنرى العرب في فنهم في السنوات الأخيرة، قد تركوا الفن الأصيل، وأخذوا بأسباب الفن الهزيل. فظهرت مجموعات ضخمة من المغنين المقلدين للفنانين التجاريين الأميركيين، الذين حوّلتهم شركات الإنتاج الفني من "مشاريع" فنية إلى "منتجات" فنية، يتحكَّم فيها المنتج، أو الشركة المنتجة. وأخذ العرب بمنهاج المسوخ الفنية. فأخذوا الموسيقى الأميركية الشعبية الراقصة، وتركوا الفن الموسيقي الراقي. وأصبحت أم كلثوم، وعبد الوهاب، والسنباطي، والموجي، من تراث الأسلاف الذي لا يسمعه غير كبار السن والدراويش. ولم تعد هذه الأصوات، وهذا الفن، يمثل الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وإنما أصبحت الشقة بيننا الآن وهذا الفن الأصيل وكأنها قرون طويلة. واستطاعت شركة إعلامية، أن تصنع من شاب لا يملك من المقومات الفنية، إلا إجادته الرقص الممجوج في رأي البعض، والمحبوب لدى البنات المراهقات من صغار السن، النجم الغنائي الساطع في أقل من ستة أشهر. كما صنعت شركة أخرى، من شركات تسليع الغناء والموسيقى من عدة "فنانات" و"فنانين" نجوماً ساطعة في عالم الغناء الشعبي الراقص، وتلك واحدة من نجاحات الثقافة الشعبية الأميركية، ذات الوجه القبيح في رأي البعض، وذات الوجه الحسن في رأي البعض الآخر، الذي يرى أن تسليع Commiditization الفن على هذا الشكل الأميركي بدءاً من مادونا وجانيت جاكسون وانتهاءً ببريتني سبيرز وجيزي Jayz وغيرهم، من قبل شركات تسليع الانتاج الفني الأميركي كشركة Jiva في مجال موسيقا "البوب"، وكشركة IDJMG في مجال موسيقا "الراب" وكشركة Newline وشركة Miramax في مجال السينما، هو من مفاتيح العولمة، والإطلالة على الحياة الجديدة والمجتمعات الجديدة، مما يُيسر غداً شق اوتوستراد الحداثة، وليس زواريبها في العالم العربي، الذي بدأ سياسياً في العراق بعد التاسع من نيسان 2003 ، وبدأ فنياً في لبنان- أكثر الدول والشعوب العربية قرباً من الغرب - من خـلال "تلفزيون الواقـع Reality TV" الذي هو نتاج أميركي مائة بالمائة، ومن خلال البرامج والمسابقات الفنية التلفزيونية، التي هي نسخة طبق الأصل عن البرامج التلفزيونية الأميركية الفنية.