لم يعد من المستغرب أن نسمع حديث الناس بشكل مستمر، وبصوت عال يتكرر حول مستوى الإنجاز في مختلف القطاعات الحكومية، حيث إن إنهاء المعاملات يأخذ وقتا طويلا أكثر مما يحتاج فعلا، ويتم تأخير مصالح الناس بدون مبرر، والأسباب التي تؤدي إلى تدني مستوى الإنجاز عديدة، ومتنوعة، ومن أهمها أن هيكلة هذه القطاعات قديمة، وبحاجة إلى إعادة هيكلة لها في ضوء المتغيرات الحديثة، والمتطلبات الحالية، ومن أهم ما يتم تضمينه في إعادة الهيكلة الخط الثاني من الموظفين في كل وحدة، أو مركز، ولا يكون هناك تركيز على موظفين محددين في كل إدارة (الصف الأول فقط) يقومون بالعمل وحدهم، وهذا ما يحدث في وقتنا الحاضر أن الصلاحيات، أو إمكانية إكمال إجراءات أي عمل مقصورة على موظفي الخط الأول، وفي حالة غيابهم لأي سبب من الأسباب سواء إجازة عادية، أو مرضية، أو مهمة رسمية، أو غير ذلك يتوقف العمل، وتتأخر جميع المعاملات التي في إدارة هذا الشخص إلى أن يعود إلى عمله، وعندما يعود يجد أن العمل قد تراكم لديه، ومن ثم يبدأ سيناريو المواعيد الجديدة لإنجاز المعاملات، ولن تُنجز المعاملات بشكل مناسب، وفي هذه الحالة من الضروري أن يكون هناك خط ثان في كل إدارة، أو وحدة، أو مركز يعمل بالقرب من الخط الأول من الموظفين، ويشاركه في الخبرات، والمهارات، والصلاحيات وفي حالة حدوث أي غياب، أو نقل، أو ترقية، أو استقالة، أو غير ذلك لأحد أفراد الخط الأول لا يتأثر سير العمل، ولا مستوى الإنجاز لأن البدائل موجودة ولديها الخبرة الكافية.
أما المجال الثاني الذي يؤثر على إنجاز الأعمال والمعاملات في مختلف إداراتنا فهو قلة، أو غياب التدريب الموجه لتنمية المهارات الأساسية التي يتطلبها العمل، ولذلك فالحاجة ملحة للتدريب على رأس العمل بما يساعد الموظفين، ويعمل على تحديث معلوماتهم، وتنمية خبراتهم، ومهاراتهم، وتدريبهم على المستجدات في مجالاتهم، وتخصصاتهم، وقد يكون هذا النوع من التدريب أكثر فاعلية، وتأثيرا عندما يكون مبنيا على الاحتياجات الفعلية للموظفين، وتكون هناك حوافز معنوية ومادية للموظفين الذين يشاركون في مثل هذه الدورات، ومن الضروري تحديث المكاتب، وتأثيثها، وتزويدها بالتقنيات الحديثة التي تسهل إجراءات العمل، حيث إن بعض الإدارات ما زالت تعمل يدويا في كثير من الإجراءات المكتبية مثل مكاتب الاتصالات الإدارية، وغيرها من الوحدات التي يتم فيها توثيق المعاملات في السجلات الورقية مع أن هناك برامج حاسوبية متطورة، ومتقدمة، يمكن تطويعها لتحقيق أهداف أي مؤسسة، وهي غير مكلفة، وفي متناول الجميع.
أما السبب الآخر في تدني مستويات الإنجاز في مختلف إداراتنا فهو غياب المحاسبة، والمتابعة سواء الداخلية لهذه الإدارات، أو الخارجية من الجهات الرقابية، فحضور كثير من الموظفين يكون متأخرا حتى في وجود برامج البصمة، وإذا حضر أغلب الموظفين فتكون الساعة الأولى من الدوام الرسمي للإفطار، وبعدها يبدأ الدوام بشكل متأخر، وفي تمام الساعة الحادية عشرة تبدأ مرحلة الوضوء والاستعداد للصلاة، وبعد الصلاة تبدأ مرحلة إحضار طلاب المدارس، وعلى هذا المنوال ينتهي الدوام الرسمي، ولا تكون هناك متابعة للمتأخرين، أو حتى مساءلتهم، أو محاسبتهم، فعند غياب مقومات المحاسبة جميعها لن تكون هناك إنتاجية، وأرى أن إدارات، ووحدات المتابعة في أغلب إداراتنا بحاجة لمن يتابعها، بل يحاسبها على تقصيرها في القيام بمهامها، وواجباتها.
ويجب ألا نهمل عامل الانتماء للعمل، أو للمهنة الذي هو في أغلب الأوقات مفقود، وفي هذه الحالة لا يحس الموظف بأن العمل جزء من حياته، ولا هو جزء من بيئة العمل، ولنا في القطاع الخاص مثال جيد في الانضباط والإنتاجية فلنستفد من خبرات العديد من الشركات والمؤسسات، وتجاربها الناجحة في هذا المجال وغيره من المجالات.