مصطلح الثقافة في دلالاته الواسعة يفضي إلى آماد بعيدة لا يناوشها إلا من اشتغل بالهم نفسه، وبحث جادا عن ذلكم التشكل المبتغى لمشهد يواكب نماء الناس عقلا ومادة، ومسألة إدارة الثقافة أو تشغيلها وفق النمط الإداري المعمول به في المؤسسات الخدمية التقليدية المعنية بالتخطيط والمتابعة والأعمال المحاسبية أمر فيه نظر، ولعل ما حدث وما تزال آثاره على المشهد جلية وناتئة يأخذنا إلى أن الثقافة في كنهها وكينونتها المعرفية والإبداعية غير مطواعة للقيد الإداري الذي يغلق أمام أشعتها منافذ الفضاء وجهات الأفق.
نحن مع وجود المرجع الذي يمنح مشروعية وجود المؤسسة الثقافية والمبدع نفسه أو المثقف يرغب في وجود المظلة التي تكفل له حضوره وحقوقه بشتى أنواعها غير أنه - ولا شك- عصي على أن يرتضي أن يُرسم له مسار ليس له أن يتجاوزه أو يحيد عنه لأنه وبمنافاة الشرط الحدي لمصطلح "الثقافة" يدخل إلى دهليز النمط فيما ينبغي أن يكون حرا طليقا سائح الفكر متنوع المصادر، وهذا لن يتأتى إذا ألقت عليه المؤسسة بهمومها ومشكلاتها.
ما يؤلم الآن أن وزارة الثقافة والإعلام وهي المظلة الواسعة لم تتضح لديها الرؤية حيال وضع الأندية الأدبية وما حدث فيها جراء تجربة الانتخابات الفارطة وما أعقبته من آثار قد يكون للائحة المعتمدة دور فيها أو حتى للجانب القانوني الذي رافق التصويت أو حتى التعاطي مع الطعون المقدمة بعد حمى الانتخابات، فالتزام الصمت هنا من الجهة المشرعة ليس منقبة تحمد وإنما قصور في الرؤية، لأن الجميع بما أنهم يرنون إليها يتطلعون إلى كلمة فصل مستندة إلى فقه قانوني يضع نصب عينيه مصلحة الثقافة والإبداع في بلدنا المترامي الأطراف.
المثقف الآن -إذا افترضنا أن كل من ضمتهم الجمعيات العمومية أو مجالس الإدارات يمثلون شريحة المثقفين والمبدعين- أضحى مثقلا بهموم المؤسسة يحمل على عاتقه هفواتها أو تراخيها في اتخاذ القرار سواء أكان راضيا عنه أم ساخطا وأعرض ولو بشكل جزئي عنه مهمته الكبرى في التنوير وقراءة المستجدات والانهماك في قضايا مجتمعه المتزايدة والمعقدة.
إما أن تكون المؤسسة منارة هدى لبحارة الثقافة والإبداع الذي يمخرون عباب المشهد فتكون لحظة العاصفة ملاذا وأمنا، وإلا عليها أن تعيد ترتيب أروقتها وتجدد صوتها لتتحقق جدوى الوجود ورمزية التشريع.