صدر مؤخرا قرار من وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة بإغلاق فوري لمستشفى عرفان بجدة لمدة شهرين، بعد وفاة الطفل صلاح الدين يوسف عبداللطيف جميل (8 سنوات)، حيث تم إعطاؤه غاز أكسيد النيتروجين بدلاً من الأكسجين أثناء تخديره قبيل إجراء فحوصات طبية له، وكان من المفترض حسبما ذكره والدا الفقيد، أن يتم أخذ خزعة من غدته الليمفاوية، لمعرفة سبب انتفاخها بعد معاناة الصغير مع نزلة برد شديدة لمدة أسبوعين، وبطريقة أقنع الطاقم الطبي في المستشفى الوالدة بأنه من الأفضل عمل ذلك عن طريق البنج الكامل، وقد كان، إلا أن النتيجة كانت أن فارق الطفل الحياة على إثر تلك الحقنة المميتة (المدينة، العدد 4170). وللأسف ليست هذه المرة الأولى التي تحصل فيها مثل هذه القصة المأساوية في المستشفيات السعودية وفي هذا المستشفى بالذات، فطبيب الأسنان الدكتور طارق الجهني، توفي أيضاً تحت تأثير التخدير الذي تم بشكل خاطئ قبل ثلاث سنوات بالضبط، فما الجديد الذي أوجب اتخاذ قرار الإغلاق الآن وليس آنذاك؟.

سيجيب بعض المتشككين بأنه يكفي أن تقرأ اسم الصغير كاملا لتجد الجواب، فهو ابن لواحدة من أغنى الأسر السعودية، والتي لها دور كبير في مجال التجارة، وإنما أيضا في المجالات الإنسانية والإنمائية داخل البلد، وتحظى باحترام وتقدير من الجميع. ونأتي للقرار نفسه، هل هو قرار مدروس يتوقع أنه تكون له نتائج إيجابية من أجل رفع مستوى الخدمات الصحية في البلد؟ أم أن الهدف منه امتصاص الغضبة الشعبية من تكرر مسلسل الأخطاء الطبية لاسيما في عصر الإعلام التفاعلي، وارتفاع سقف المطالبات، وهي أمور لم يكن لها وجود بهذا الزخم قبل ثلاث سنوات؟.

هل يهدف هذا القرار بالفعل إلى معاقبة المتسببين الفعليين فقط، أم أنه بلاء سيحل بكل من له علاقة بالمستشفى من منسوبيها ومرضاها؟ ماذا سيحدث خلال هذين الشهرين للمرضى المنومين لا سيما في العناية المركزة والأطفال الخدج؟ وماذا عن المواعيد الطبية المجدولة سواء للمراجعات أو العمليات الجراحية؟ فبحسب مصادر المستشفى فإنه تم إلزامها بنقلهم لمستشفيات أخرى، وتحمل تكاليف ذلك كاملة، المشكلة هنا أنه هل تكفي السرر والإمكانات الطبية في بقية مستشفيات المحافظة الأهلية لاستقبالهم؟.

وماذا سيحدث للطواقم الطبية والتمريضية والفنية وحتى عمال النظافة والصيانة في المستشفى خلال الشهرين؟ فهؤلاء لا ذنب لهم بخطأ زميلهم ولا بسوء إدارة المستشفى، التي يحاول مديرها في إحدى المقابلات رمي سبب مشكلات المستشفى وتدني معاييرها إلى السعودة!، في حين أنه في كل الأخطاء الطبية القاتلة التي عرفت فيه تمت من قبل أطباء غير سعوديين بعضهم ليس لديهم ترخيص لممارسة المهنة. ومرة أخرى يثبت جل رجال الأعمال لدينا أنهم ينظرون للوطن على أنه منجم ذهب، يجنون منه أربحاهم ولا يريدون أن يقدموا له شيئا بالمقابل، ولا حتى مجرد توظيف أبنائه وتقديم خدمات راقية. كما أنهم يديرون المؤسسات التعليمية والصحية كعمل ربحي في المقام الأول والأخير، وتأتي الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية في مكان ما في المنتصف، وتبدو وكأن غرضها ذر الرماد في العيون.

وليس مستشفى عرفان بدعا من غيره من المستشفيات الخاصة، بل والحكومية أيضا، فقد وقفت على حالة تم فيها صرف دواء لامرأة من واحد من أرقى مستشفيات جدة الخاصة حاليا، وقد كتب عليه بالخط العريض من الخارج والداخل بأنه "يمنع منعا باتا استخدامه من قبل النساء" حيث إنه مخصص لعلاج سرطان البروستاتا، وهي غدة غير موجودة لدى النساء أصلا، فما الآثار التي ستترتب على صرف دواء هو عبارة عن هرمون ذكوري لامرأة شابة؟، وما المعايير التي تتخذها وزارة الصحة لتتأكد من فعالية رقابتها على المستشفيات والمستوصفات والصيدليات والمراكز الطبيبة بما فيها عيادات الأسنان والتجميل العاملة في البلد؟.

ثم ألا يعد تكرار وفاة شخصين في القسم نفسه في المستشفى نفسها بالخطأ الطبي نفسه تقريبا خلال ثلاث سنوات تقصيرا من الوزارة فيما يختص بالرقابة والإشراف؟! فمن يحاسب وزارة الصحة؟!

وثمة أسئلة أخرى تدور حول سلامة التحقيق نفسه، فهل تم وفق المعايير المهنية العادلة طبيا وقضائيا؟ هل تم ذلك عبر فترة كافية؟ وهل صدرت عنه أحكام بخصوص جميع الأطراف المعنيين بما فيهم الملاك والإدارة؟ فالقضية ليست مجرد البحث عن طبيب هارب عبر الإنتربول، وتعليق العمل لشهرين في المستشفى، فما الذي سيحصل بعد هذين الشهرين؟ هل سيعود طاقم المستشفى كله بما فيه الإدارة للعمل وكأن شيئا لم يكن؟.

غالية هي النفس البشرية، ومع أننا نحن المسلمين نؤمن بالقضاء والقدر، إلا أن الإهمال جريمة يجب أن يحاسب المسؤولون عليها، لا سيما حينما يتكرر ذلك، فقد باتت المحاسبة وتحميل المسؤولية للمتسببين في إزهاق الأرواح واحدا من أهم المطالب.