توجه الناخبون الليبيون أمس بكثافة إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات عامة حرة منذ 40 عاما، وهي الانتخابات التي تهدف إلى رسم نظام سياسي جديد للبلاد بعد حكم الزعيم المخلوع معمر القذافي، وسط مطالب بالحكم الذاتي في الشرق واضطرابات في الصحراء جنوب البلاد. وسيختار الناخبون جمعية وطنية تتألف من 200 عضو ستتولى مهمة انتخاب رئيس وأعضاء مجلس الوزراء قبل تمهيد الطريق لإجراء انتخابات برلمانية كاملة العام المقبل في ظل دستور جديد.

وقال رئيس اللجنة العليا للانتخابات نوري العبار إنه تم فتح 94% من مراكز الاقتراع البالغ عددها 6600 أمام الناخبين. وأضاف "بعض مراكز الاقتراع في بنغازي لم تفتح لأسباب أمنية عقب وقوع اعتداءات من جانب بعض المحتجين المناهضين للحكومة".

ويملك الإسلاميون فرصا أكبر بين المرشحين البالغ عددهم أكثر من 3700، وهو ما يشير إلى أن ليبيا ربما تكون ثالث دولة من دول الربيع العربي بعد مصر وتونس التي تسيطر الأحزاب الإسلامية على مقاليد السلطة فيها. لكن مصداقية الانتخابات ستتزعزع إذا ما تسببت ميليشيات مسلحة ذات ولاء إقليمي أو قبلي في إثناء الناخبين عن التصويت، أو إذا نشبت نزاعات بشأن النتائج وتحولت إلى اشتباكات بين الفصائل المتنافسة.

ويأتي التهديد الأكبر من المنطقة الشرقية حول مدينة بنغازي التي كانت مهد الانتفاضة التي أطاحت بالنظام السابق، لكن المنطقة تشكو من إهمال الحكومات السابقة التي تمركزت في طرابلس. وقبل بدء الاقتراع بساعات قليلة احتشد المئات من المحتجين في ميدان بوسط المدينة وقالوا إنهم سيقاطعون الانتخابات احتجاجا على تخصيص 60 مقعدا فقط للشرق في الجمعية الوطنية مقابل 102 مقعد للغرب. من جانبه قال رئيس المجلس العسكري لإقليم برقة حامد الحاسي إن حربا أهلية قد تندلع بين الشرق والغرب لأن لا أحد في الحكومة يستمع إلى مطالبهم. وتتولى القوات الواقعة تحت قيادة الحاسي مهمة تأمين المنطقة ولكنها دخلت في خلافات مع الحكومة بشأن التمثيل. كما عطلت جماعات مسلحة شرق البلاد نصف صادرات البلاد من النفط للضغط من أجل الحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي. إلى ذلك اضطرت طائرة هليكوبتر تحمل مستلزمات خاصة بالانتخابات للهبوط اضطراريا قرب بنغازي مساء أمس الأول بعد إصابتها بنيران مضادة للطائرات في هجوم أسفر عن مقتل أحد ركابها.

ولا تقتصر المخاوف الأمنية على المنطقة الشرقية فقط، ففي مدينة الكفرة بالجنوب تدور اشتباكات قبلية شرسة بين قبيلة التبو ذات الأصول الأفريقية من جهة وقبيلة الزوية التي تدعمها إحدى الكتائب المسلحة من جهة أخرى. ويخشى أن تحول المواجهات دون تمكن مراقبي الانتخابات من زيارة مقار اللجان. أما في سرت مسقط رأس القذافي فتسود أجواء من الغضب حيث يقول البعض إنهم لن يشاركوا بسبب الإهمال الذي ما زالوا يعانون منه منذ نجاح الثورة.

ورغم أن المؤشرات تشير إلى اتساع فرص حزب العدالة والبناء الذراع السياسية للإخوان المسلمين في ليبيا وكذلك حزب الوطن الذي يتزعمه المعتقل السابق لدى وكالة المخابرات المركزية الأميركية عبدالحكيم بلحاج، إلا أن النتائج الأولية قد تقدم رؤية استرشادية عن شكل الجمعية، لكن النتائج النهائية الكاملة يتوقع الاعلان عنها غدا.