حين تقرأ كلماتها في تلك الجمل المكتنزة بالتفاصيل، تشعر معها وهي تسرد يومياتها في لغة أدبية شفافة، أنك تتناول قطع بسكويت حلوة مع الشكولاتة تم خبزها للتو وتقديمها مع قدح من الشاي الإنجليزي الفاخر، هكذا أشعرتني سارة مطر الكاتبة السعودية التي أبدعت في كتابين يخبرك عنوان كل منهما بإبداعها، الأول؛ "قبيلة اسمها سارة " والأخير؛ "الحبّ.. صنيعة النساء" عن تلك العوالم التي تعيشها أنثى، لكنها ليست أي أنثى إنها سعودية انبلجت كالفجر في صحراء الجغرافيا والمجتمع المتصحر، ففي كتابها الأخير تحكي "ذات مرة فكَّرت في أن ترسم وجوها مختلفة على أصابع يديّ، وكتبت تحت كل وجه اسم رجل تهبه الحياة كما تقول، لأنه يجلس بين أطراف أصابعي، هذه هي دانية التي أحب والتي تعبث كثيرا في رأسي حينما تقول إننا نشبه البيتزا فلا تجد في حياتك بيتزا لا يمكن أن تُؤكل.."

سارة مطر تأتينا على غير الكاتبات السعوديات اللاتي خضن عالم الحكي والرواية بمعرفة أو دون معرفة، فمعظمهن لديهن حكاية تائهة وضعنها على الورق وبعثن بها إلى المطبعة، فأنتجن روايات عديدة تبدو كطفح جلدي أحيانا في جسد الرواية السعودية! لكن هناك قليلات استطعن الولوج إلى الرواية حقا بفنية ولغوية وحبكة، لكن سارة مطر كما قلت جاءت في قالب جديد جريء وممتع عبر فن كتابة "اليوميات". إنها تسرد يوميات امرأة عاشقة للحياة والجمال في لغة منبعثة من حياتنا وقريبة إلى قلوبنا، وكأنها تقطف مشاهداتها من غيمات السماء التي تُظل رؤوسنا يوميا، فيما تنتزع ملاحظاتها من حياتنا بمشاغبة عفوية وذكية، تنقلها من هوامشنا لتضعها أمام أعيننا في مواجهة مباشرة وكأننا نراها لأول مرة، نحو" انظر إلى بطاقتي الشخصية التي أمتلكها قبل عامين، صورة قاتمة ميتة لا تشبه صورة الفرنسي الطويل ذي الرائحة الغريبة! أذكر جيدا صراخ الموظفة الحكومية عليَّ كي أزيل الروج الأحمر " وتقول" لم يستطع أن يقتلعني يعرب من حياتي، لم يصدق هويتي الحكومية التي تشي بقسوة الحياة الصارمة التي نعيشها!".

بصدق، قبل أن أقرأها ظننتُ ـ من عنوان كتابها ـ أنها ستأتي مقلدة كما بعضهن، لكن سارة جاءت على غير توقعاتي، تنتهج أسلوبا مغايرا ومختلفا هو "اليوميات"، فهي لا تهرب من حكاياتها ولا مشاعرها ولا تتخفى خلف شخصيات هروبا من الواقع، بل تقتحم تفاصيلها وتفاصيلنا بلغة مريحة ومتصالحة مع الذات، في حين إنها تدخل من بوابة الجرأة لكن بترفع أنيق لا يخدش الحياء أبدا، عكس بعض الكاتبات ممن فهمن "الجرأة" بشكل إباحي! فالإبداع أن لا تُكرر نسخا سابقة، وسارة فتحت بابا جديدا هو "اليوميات" وأتمنى أن توظف لغتها المدهشة يوما في حبكة الرواية، فقد أسست بكتابها الثاني لاسمها مكانا في الأدب السعودي يقدم فنا قلّ خوضه من أدباء سعوديين خوفا منه، فكيف بها وهي أنثى سعودية أحببتُ حرفها!