تحولات جديدة في نمطية المواضيع المطروحة في المقاهي الشعبية والعصرية شكلتها أنظمة "التمويل العقاري" الجديدة، التي اعتمدت مؤخرا في المملكة، متقدمين في طروحاتهم المتباينة أو مترجمين بشكل حي ما تداولته شبكات التواصل الاجتماعية.
فالرياضة، التي كانت تحتل الجزء الأكبر من مساحات الحديث، تراجعت لصالح الشأن الاقتصادي، ولكن بمستوى نقاش هو أقرب للشعبية منه للنخبوية، وإن شئت قل بنكهة شبابية صرفة.
في أحد المقاهي بجنوب جدة، وتحديدا بحي العمارية، كانت طاولات النقاش قد جهزت وكان محور الحديث الرئيسي يدور حول "نظام الرهن العقاري المسجل" وجميع الأعين والأفئدة متجه صوب "الشاشة الصغيرة" لحلقة بثتها إحدى الفضائيات الاقتصادية تضم خبراء يتحدثون حول الآليات الجديدة، التي يحملها "الرهن العقاري" في إعادة جدولة العقار من جديد على الصعيد المحلي لصالح المواطن.
بدأ حديث الشباب مع رشفات من "الشاي العدني"، المشروب الساخن الأكثر شهرة في الجزء الجنوبي من جدة، وابتعدوا في سياقات الكلام عن أحاديث ومصطلحات "الخبراء الاقتصاديين" المنهجية الصرفة، آخذين تطورات الحديث إلى جوانب أخرى مختلفة.
أحمد باعيسى شاب ثلاثيني يأتي إلى مقهى حارته القديمة في حي العمارية كل اثنين وخميس وهي عادة استمر عليها لسنوات غير قليلة، وكان بمثابة "خبير شلة الأصدقاء" الذين لا يعرفون عن مصطلحات الاقتصاد الشيء الكثير، وساعده في ذلك أنه موظف بأحد البنوك الرئيسية في جدة.
أخذ باعيسى الخبير الشعبي في شرح مدلولات نظام "الرهن العقاري المسجل" عبر القراءة الأولية للنظام، من خلال هاتفه المحمول المرتبط بشبكة الإنترنت، ثم يلقي المصرفي باعيسى شروحات بسيطة، مفكفكا مصطلحات النظام، لتبدأ بعدها النقاشات الجانبية.
جميع من في هذه الطاولة لا تتجاوز أعمارهم العقد الثالث، ويملك بعض أهاليهم عمائر، والتقاطع الكبير بينهم، هو أنهم لم يجربوا في سابق عهدهم تجربة الحصول على "قروض بنكية" بنظام الرهن.
بين القديم والجديد، تمحورت أحاديث الشلة في مقارنة بين ما كان عليه "النظام السابق"، والتعديلات التي عدلها وأضافها "النظام الجديد" وكيف ستتعامل البنوك المحلية مع تبعات الجديد من هذا النظام.
الاقتباسات الصحفية، التي تناولتها الصحافة المحلية، كانت حاضرة هي الأخرى بقوة في تفاصيل نقاشات المقاهي الشعبية، عبر استعراض مقالات الصحف والتقارير التي أدرجتها صفحات الجرائد للحديث عن الأنظمة.
تباينات الخبراء حول "الرهن العقاري" وتأثير النظام انعكست هي الأخرى، على أركان جلسات المقاهي، حيث تحول كل ركن إلى فصيل نقاش منفصل بحد ذاته عن بقية الجلسات الأخرى، كل يفسر تبعات النظام بشكل مستقل عن الآخرين خاصة في المديين القصير والطويل.
لم يكن الأمر محصورا في مقاهي جدة الشعبية، بل كان مرسوما بتفاصيله المشابهة في المقاهي العصرية، التي تنتشر بين جنبات المدينة. فأجواء مناقشة القضية أخذت على مجرى رائحة الكابتشينو والموكا والشوكلاته الحارة". سلطان العصلاني كان يتحدث بطريقة يملؤها الأمل والتفاؤل، وهو يرتشف القهوة التركية، ويتحدث إلى زميله عدنان باسالم عن تجربته السابقة في رهن عمارة والده لأجل قرض بنكي تقدموا به عند أحد البنوك.. ليختم الحديث بعدها "النظام الجديد يحفظ حقوق البنوك والمواطنين في آن واحد".
لم يكن أمر حديث المقاهي عن "الرهن العقاري" محصورا فقط في المواطنين، بل إن المقيمين أدلوا بدلوهم أيضا، فكان العامل الفلبيني إدوارد يستفسر من أحد زبائنه الجالسين في مقهى على طريق الأمير سلطان، التي قرأ عنها من أحد الصحف المحلية الناطقة بالإنجليزية قائلا: "إنه نظام جيد يحفظ حقوق الجميع".