كان الاهتمام بالرياضة المدرسية طريقا لتحقق الأندية والمنتخبات السعودية كثيرا من الإنجازات على المستويات المحلية والعربية والعالمية، ولكن عندما تحولت الحصص الرياضية في المدارس إلى ترفيهية تقلصت النتائج الإيجابية للطلاب في مختلف الألعاب على جميع الصعد.. من هنا عمدت وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب، إلى وضع دراسات مستفيضة لتطوير الرياضة المدرسية التي تمكن الطلاب من صقل مواهبهم، ليكونوا أبطالا أولمبيين في المستقبل من خلال إستراتيجية تعمل على تعزيز العلاقة بين الصحة والرياضة والتميز، ضمن برنامج يعتمد على أسلوب علمي حديث متنوع الاتجاهات في جميع الألعاب الفردية والجماعية، ويكون مزودا بالحوافز، على أيدي متخصصين يخضعون الرياضيين لاختبارات تربية بدنية مع وجود لجان تقييم لمعالجة أي سلبيات قد تطرأ، وكذلك للمحافظة على الصحة العامة بعد ارتفاع نسبة الإصابة بالسمنة والسكري في المملكة، وللمساهمة في شغل أوقات الفراغ لتفريغ الطاقات فيما هو مفيد، والابتعاد عن العادات السيئة كالتدخين والتفحيط والتسكع.
تفعيل واقعي
وأكد وزير التربية والتعليم، الأمير فيصل بن عبدالله، عقب ترؤسه اجتماع لجنة تطوير الرياضة المدرسية الثالث بجدة أخيراً، أن جميع أعضاء اللجنة متفقون على أنه لا خيار أمامهم إلا البدء في تطبيق هذه الإستراتيجية، حيث كان العمل كبيرا لأكثر من سنة لبناء الإستراتيجية في تبادل الزيارات على المستوى المحلي والخارجي، والعمل على تهيئة المدارس والمعلمين والمسؤولين، مشيرا إلى أن الأهم حالياً هو تفعيل هذه الإستراتيجية على أرض الواقع، لأن المهم في الإستراتيجيات هو تطبيقها وليس إعدادها ثم تبقى في الأدراج. وأوضح أن الوزارة تتجه من خلال الإستراتيجية إلى أمرين مهمين هما: القيمة المضافة والتنمية المستدامة. وأكد وزير التربية أن أساس هذه الإستراتيجية هو الاستثمار في الإنسان، لأن إنسان هذا البلد يشرفه إذا وجد الدعم وكان هناك هدف يصل إليه وصورة واضحة أمامه، مبينا أن الإستراتيجية تركز على الصحة العامة للطلاب من البدايات عبر التغذية والحركة، وكذلك ما يتعلق بالمنافسات عبر العلاقة مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب بممثلين للوطن في الساحات الدولية. وشدد على أن السنوات الخمس تتمثل في المدة المحددة لإعداد المنشآت والتدريب، وأن عامين قد يكونان كافيين للبدء الفعلي في تطبيق هذه الإستراتيجية التي ستستمر لمدة أطول وينتج عنها أبطال أولمبيون، لافتا إلى أن وزارته التي تهتم بالمواهب العلمية، تدعم المواهب البدنية عبر الرياضة والتي ستنطلق في مدارس الأحياء والمدارس النموذجية التي ستساهم في دعم هذه المواهب وتطويرها. وقال "نحن نعمل مع الرئاسة العامة ووزارة الصحة وعدة جهات من أجل تفعيل هذه الإستراتيجية".
التوطين في المدارس والأحياء
من جهته، لفت نائب وزير التربية والتعليم، الدكتور حمد آل الشيخ، إلى أن أبرز ملامح خطة تطوير الرياضة المدرسية يتمثل في توطين الرياضة بالمدارس والأحياء، وأنه إذا نجح هذا المشروع فإنه سينهض بالرياضة في المملكة من خلال هذه الإستراتيجية وأندية الأحياء.
صحة وترفيه ومنافسة
ويؤكد مدير الخطة الإستراتيجية "لتطوير الرياضة المدرسية" التابع لمشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام، مأمون الشنقيطي، أن إقرار الاستراتيجية في العرض النهائي الذي أطلقته اللجنة الإشرافية العليا برئاسة الأمير فيصل بن عبدالله أخيراً، يعتمد على ثلاثة محركات أساسية هي الصحي والترفيهي والتنافسي. ويضيف: "من المهم أن يمارس الشباب والشابات الرياضة للمحافظ على الصحة كالركض والمشي، لأن الأمراض الصحية مخيفة، حيث تنتشر السمنة بنسبة 75%، وداء السكري الثاني لدى الأطفال (16%)، إضافة إلى أمراض أخرى تتطلب ممارسة الرياضة، وذلك بالتوعية بالغذاء واللياقة بالتعاون مع اتحاد الطب الرياضي واتحاد التربية البدنية واتحاد الرياضة للجميع. أما محرك الترفيه فيركز على شغل أوقات الفراغ بدلا من التجول بالسيارت في الطرقات مثلا، والابتعاد عن الألعاب الإلكترونية إلا لوقت قصير، وذلك بممارسة رياضات كالسباحة وتنس الطولة على سبيل المثال، فيما سيكون التنافس بين أولئك المبدعين في ألعاب معينة للارتقاء بمستواهم في المشاركات المحلية والعالمية تحت إشراف الرئاسة العامة لرعاية الشباب واللجنة الأولمبية، وكذلك لزيادة عدد الرياضات بإضافة ألعاب أخرى كالقتال وتنس الريشة والجمباز".
ويبين الشنقيطي أنه سيتم تسليم صالات رياضية للمدارس النموذجية وتحويل الملاعب الترابية إلى نجيلة صناعية، ضمن إستراتيجية متكاملة لبناء وترميم الملاعب تحت إدارة شركات خاصة وبالتعاون مع الاتحادات الرياضية لتطوير الألعاب، وسيتم تسليم 15 حوضا للسباحة هذا العام.
رفع اسم المملكة
ويقول المشرف التربوي للتربية البدنية في الإدارة العامة للتربية والتعليم، محمد الزهراني: "لدينا ضعف في مشاركات المنتخبات الوطنية في جميع الألعاب على المستويين القاري والدولي، فبعد أن كانت الرياضة المدرسية تحظى باهتمام كبير من قبل، تعرضت لبعض القصور الذي انعكس على وضع المتخبات السعودية وندرة المواهب في الاتحادات الرياضية. والخطة هنا تدرس الميدان في مجال التعليم ووضع الطلبة من حيث حاجاتهم لملاعب وأجهزة، وكذلك إيجاد المدربين المتخصصين لهم على مستوى عال، حتي يكون لدى المدربين الرؤية الخاصة في اختيار الطلبة الموهوبين وتعطى لهم برامج معينة على مستوى مناطق المملكة المختلفة. وسيتم البدء في المدن الرئيسية في المناطق الوسطى والغربية والشرقية. وستكون هناك برامج مخصصة تنفذ في المدارس تحت إشراف مكاتب التعليم في كل منطقة. وستكون هناك لجان مخصصة لتقييم العمل للخروج برؤية معينة للتطوير أو معالجة السلبيات التي قد تحدث في بداية المشروع". ويتابع "نهدف إلى أن نصل بعد فترة زمنية إلى أن يكون للمملكة اسم رياضي عال في العالم، وهذا لا يمكن أن يتم إلا عن طريق هذه الإستراتيجية، بحيث نجد للوطن أبطالا أولمبيين مثل هادي صوعان الذي حصل على الميدالية الفضية في ألعاب القوى (400 م حواجز)، لذا سيحتوي البرنامج على أسلوب علمي حديث متنوع الاتجاهات في جميع الألعاب الفردية والجماعية للنهوض بكافة الألعاب، وسيكون مزودا بالحوافز من بداية المشروع وحتى نهايته، للطالب والمعلم والإداري والإعلامي ورجل الأمن وغيرهم، ضمن خطة محكمة".
أندية الأحياء
وفيما يتعلق بالأحياء أبان الزهراني أن هناك ما يسمى بأندية الأحياء التي تتفرع إلى فرعين في كل منطقة، حيث سيتم اختيار مدرسة تحت إشراف إدارة التعليم في المنطقة، بحيث تتوافر في هذه المدرسة كافة مقومات الأنشطة الرياضية بفاعلية وتغذى بطاقم كبير من العاملين والأدوات والأجهزة الرياضية ومشرفين ذوي اختصاص وخبرة في تنفيذ البرامج الرياضية. وأيضا هناك المساحات التي توفرها الأمانات في المدن من حدائق تحتوي على ملاعب وممشى لخدمة أبناء الحي. وسيكون لكل مركز مشرفون ومعلمون توعويون، ليس فقط في الألعاب، بل في الأنشطة الاجتماعية والثقافية، وذلك حتى يتجنب الشباب ملء فراغهم بعادات سيئة أو سوء استخدام للسيارات، ومن أجل إفراغ طاقاتهم بأسلوب جيد والتعرف على أصدقاء وجيران بإشراف تربوي وصحي وديني.
تعليم المهارات
يرى الخبير الرياضي، مدرس فنون القتال، المتخصص بالتربية البدنية، محمد عايد العصيمي أن الرياضة البدنية اختلفت عما كان عليه الحال قبل 25 عاما عندما كانت تسعى إلى تعليم المهارة، فأصبحت اليوم عبارة عن حصص للراحة والاسترخاء أو ملء وقت الفراغ باللعب بالكرة للحصول على درجات عالية تساهم في رفع المعدل في بقية المواد المنهجية. ومن خلال عمل العصيمي بالمنتخبات السعودية للألعاب المختلفة، يقول "كان أكثر لاعبي المنتخبات الوطنية هم طلبة المدارس والأحياء، فكانت رياضتنا الوطنية قوية، لكنها أهملت مما أدى إلى تدهور النتائج. واليوم نحن نحتاج إلى مدربين لتنفيذ مشروع تطوير الرياضة المدرسية، لئلا يكون حبيس الأدراج، فالرياضة عمل وليست تنظيرا. الأمر يتطلب أيضا أن تكون هناك حصص غير عادية.. الغرض منها سد الفراغ، خاصة إذا ما علمنا أن السمنة تتزايد بين أبنائنا الطلاب الذين يقضون جل وقتهم في المدارس، وهم لا يعرفون من الرياضة سوى كرة ترمى أمامهم، يلعبون بها دون أسس أو مهارات كروية يتعلمونها ويستفيدون منها على أيدي متخصصين في فنون الكرة وأهدافها، ويخضعون فيها لاختبارات تربية بدنية مزودة بالحوافز".
الرياضي أفضل
ويضيف "الرياضي يستوعب أكثر ويعطي أفضل ويتعلم أحسن من غير الرياضي، لأن الرياضة تقوي من ذاكرته وتجعلها تتسع، كما هو الحال في الرئتين، حيث يمنحه الأُكسجين نشاطا وحيوية، ويتخلص من الكسل والخمول. والغذاء، وهو طاقة الرياضي، يمده بالحيوية دون أن يتحول إلى دهون. كما أن الرياضة تقضي على وقت الفراغ واتباع عادات سيئة نتيجة الشعور بالفراغ وعدم المتابعة والاهتمام بلعبة ما. وهي تنظم برنامج الإنسان وتشبع رغباته بالشهرة وحب الظهور عندما يكون لاعبا مميزا".. تتمثل أهدافها في المساهمة في تطوير مخرجات التعليم، بجعل برامج التربية البدنية والرياضة المدرسية ترتكز على التنمية الشاملة للطالب، والمساهمة في تحسين مستوى الصحة ونمط الحياة النشيط بتبني أساليب الحياة الصحية التي تخفض معدل الأمراض غير المعدية، واعتبار الرياضة النشاط الترويحي المفضل للطلاب، والتنافس على المستويين الإقليمي والعالمي بإيجاد نظام وطني لتحسين النتائج الرياضية في المملكة، وأخيرا استحداث بيئة ذات مواصفات عالمية تشمل الموارد البشرية والأدوات والأجهزة والتنظيم والدوافع.