النبتة الخبيثة التي زرعت في المنطقة العربية والإسلامية تشكل أكبر التحديات التي تواجه واقعنا، وقد كانت الخطة لهذه الدولة التي جاءت على أنقاض شعب، وجمع شعبها من أشتات الأرض، فأقيمت هذه الدولة على جماجم المسلمين في فلسطين، ونهبت أراضيهم، واستبيحت دماؤهم، كانت الخطة أن تكون هذه الدولة هي المندوبة الدائمة والسامية للغرب في المنطقة، حتى تعوق أي طموح وحدوي أو نهضوي تفكر فيه الأمة، وقد رسمت الخطط، ودبرت ودعمت حتى تحـول الحلم "الهرتزلي" في بازل إلى واقـع معاش نعاني غصصه وآلامه منذ أكثر من ستين سنة.

اليهود في فلسطين شعب ليس ككل الشعوب، إنه امتداد للصراع الطويل الذي أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود، فهو صراع ممتد ومعقد وكبير، وله خصائصه البارزة، فهم يقومون على أنهم "شعب الله المختار"، وهذا يعطيهم الحق في فعل كل ما يريدون: (وقالوا ليس علينا في الأميين سبيل)، فدماء الأميين وأعراضهم حلال لهذا الشعب الذي يرى في نفسه القداسة التامة التي تبيح له كل هذا.

إن هذه الخلوصية الكبيرة قد تسللت إلى الوعي العام اليهودي في العالم، ولم يسلم منها حتى مفكروهم العلمانيون، أمثال هرتزل العلماني، وبوبر المفكر المتصوف، وبن جوريون الديموقراطي، وقد انعكس هذا على حدة البطش وتأصيل العدوان والتعاطي السياسي مع الآخرين.

كما أن الصهاينة ينظرون إلى إسرائيل على أنها ممثل الإله في الأرض، وأنها رائدة العالم وقائدته، وقد دعم هذا التوجه وأيده الإنجليون الجدد الذين اندمجت أفكارهم مع العهد القديم فشكلوا رأياً واحداً وهدفاً واحداً امتزج فيه العهدان حتى صار حماس الإنجليين أشد من حماس اليهود أنفسهم لتعزيز الدولة الباغية الطاغية ودعمها سياسياً ومالياً وعسكرياً.

إن جزءاً مما ينبغي العناية به لقراءة الأحداث في المنطقة كلها الانطلاق من "مركزية القضية الفلسطينية.. الوجود الصهيوني فيها"، وحرص الغرب على ضمان استمرار إسرائيل شرطياً للمنطقة، وكل إضعاف لأي دولة أو تفكيك لها أو إلهاء لها عن دورها المحوري إنما يراد منه إشغالها عن العدو الصهيوني، فاليهود تقلقهم الدول "المتوحشة" التي تحيط بهم من كل مكان، فإن لم يكن خوفهم من الحكومات القائمة فهو خوفهم من تحولها إلى الإسلاميين الذين يرون أنهم يشكلون خطراً عليها، وعليه فهم حريصون على امتداد الأزمات في المنطقة، والتشتت والانقسام، وقيام الصراعات الإثنية والعرقية والطائفية فيها، آخذين من الغرب ومنظماته الأممية الضوء الأخضر لعمل كل ما يلزم لهذا.

لكن في مقابل ذلك فإن حركة التاريخ، وطبيعة الاجتماع البشري، وسنن الله في الأرض، ونصوص الوحي تؤكد أن هذه الدولة المسخ لا يمكن أن تبقى، فهم يشعرون بغربة شديدة في محيط لا يشاكلونه ثقافيا ولا عرقياً ولا دينيا ولا يمكن أن يندمجوا فيه، وكذلك يشعرون بأن وضعهم موقت ومرتبط بالمصالح الغربية في المنطقة، وأنه متى ما توفرت العزيمة الصادقة، والفرصة المواتية فإن الهزيمة ستلحق بهم لا محالة.

إن صواريخ القسام، ووصولها إلى مدى 80 كيلومترا داخل إسرائيل ـ وهي صواريخ محلية الصنع ـ والضعف والانبهار الحاصل من المقاومة يعطي دلالة على أنه متى ما تقوت الأمة، وعزمت وحزمت أمرها فإن وجود إسرائيل الدولة المسخ في خطر رهيب، وهو موعود الله تعالى الذي نطقت به آيات القرآن: (فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود على ضفاف نهر بالأردن أنتم شرقيه وهم غربيه) وقوله: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر يهود).

إن صمود الشعب الفلسطيني عبر هذه السنوات رغم الحصار والقسوة والقتل يدل على أنهم شعب جبار لا يقهر، ووجود الهلع اليهودي والاستنفار الكبير يدل على أنهم أمة جبانة كما أخبر الله عنهم بقوله: (لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون).