فوجئت "سامية" في اليوم الأخير من العام الدراسي بوالدة زميلتها في المدرسة تطلب منها "أثرها"، وعندما رفضت غضبت منها زميلتها، واستدعى ذلك تدخل مديرة المدرسة التي تمكنت من حل المشكلة، وأقنعت الأم أن التعليمات تمنع ذلك. وتلح بعض أمهات الطالبات في نهاية الفصل الدراسي على مديرات المدارس لتسهيل الحصول على أثر زميلات ابنتها بحجة تحصينها من العين، أو معالجتها من الحسد، خاصة أن الطالبات سيغادرن إلى مرحلة تعليمية أخرى، ويصعب على الأم العثور عليهن بعد ذلك. ويتم الحصول على "أثر" المعلمات أو الطالبات بتقديم كوب من الماء لهن ليشربن منه، وفي بعض الأحيان يقدم البعض لهن تمرات، ليأكلن منها ويتركن النواة لتضعها أم الطالبة في كوب من الماء لتشرب منه ابنتها. وترفض بعض المديرات ذلك، لأن النظام يمنع هذه الممارسات، ويواجه عدد من مديرات المدارس في منطقة المدينة المنورة ظاهرة أخذ "الأثر" من الطالبات في نهاية كل عام.

وبدأت هذه الظاهرة تطفو في المجتمع المدرسي، لأسباب اجتماعية، حيث تلعب العادات والتقاليد دورا فيها، ومنها أيضا الإشاعات التي تطلقها مجالس النساء بإصابة بناتهن بالعين بسبب إحدى زميلاتهن في المدرسة، وعلى الأم سرعة أخذ أثر الطالبات لمعالجة ابنتها المصابة بالعين. وفي إطار ذلك تقيم بعض الطالبات نهاية كل عام حفلات في المدرسة، تكون أغلبها مدبرة من قبل طالبة بتشجيع من أمها للحصول على أثر زميلاتها بصورة لا تسيء لهن، ولا تبعث القلق والخوف في أوساطهن، فيما تتصرف بعض الأمهات بطريقة ترعب الطالبات، وتسبب فوضى داخل المدرسة، خصوصا إذا صوحبت بإشاعة يطلقها البعض على طالبة معينة بأنها "عيانة "، أي تصيب الأخريات بالعين. ولا يجد مثل هؤلاء الأمهات صعوبة في إرغام بناتهن على تناول بقايا الطعام أو شرب ماء يوجد به أثر من زميلاتهن الطالبات، لإزاحة الشك داخل صدر الأم بإصابة ابنتها بالعين من قبل إحدى زميلاتها.

تقول المعلمة منى الحربي إن "منسوبات المدرسة يواجهن إحراجا من بعض الأمهات، وادعاءات لا صحة لها حول العين والحسد، حيث تدعي الأم أن ابنتها مصابة بالعين، وأن المعلمات أو الطالبات السبب، وعليهن ترك أثر للأم لمعالجة ابنتها المصابة". فيما تقول مديرة المتوسطة والثانوية الثانية بالمهد نورة معيض سعيد الغامدي إن "ظاهرة جمع ا?ثر من قاعات ا?فراح ومدارس البنات من الممارسات التي انتشرت بين الناس في ا?ونة ا?خيرة، وهو اعتقاد شعبي خاطئ، قد يؤدي إلى فقدان الثقة بين الناس، وزرع الفتن والبغضاء بينهم، خاصة أن هناك أناسا يرفضون إعطاء ا?ثر".

وأضافت "واجهت هذا الموقف مع والدة إحدى الطالبات بالمدرسة، حيث طلبت مني الحصول على أثر زميلات ابنتها الطالبة، فأوضحت لها أنه ليس من حقي أن آخذ أي أثر من منسوبات المدرسة، سواء طالبات أو معلمات، وأن عليها اللجوء إلى الله تعالى، والرقية الشرعية، ولاسيما أن ديننا يأمرنا بأخذ ا?ثر من العائن بعينه إذا كان شخصا معروفا، كما ورد في السنة النبوية الشريفة، أما إذا لم يعرف العائن، فليس للإنسان سوى الرقية الصحيحة الواردة في الكتاب والسنة، والبعد عن الظن، يقول تعالى "ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن"، وفي جمع ا?ثر من الناس ظن وشك بهم، وهذا نهى عنه ديننا الحنيف. ولكي يتجنب المرء الوقوع فيما سبق ذكره عليه أن يحفظ نفسه، بالمداومة على قراءة أذكار الصباح والمساء".

وقال الراقي أحمد خريشي "من المعلوم شرعا أن العين حق، قال تعالى "وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر "، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين"، متفق عليه. وعلاج المصاب بالعين هو أن يتوضأ العائن ثم يغتسل منه المعين كما ورد ذلك في الموطأ في كتاب العين".

وعن أخذ الأثر من الطلاب، أضاف "لا بأس به بشرط موافقة الطلاب وأولياء أمورهم، وسبب ذلك أن العائن غير معروف، لذلك لا يمكن إجبار أحد على أخذ أثره". ويرى خريشي "غلق هذا الباب، لأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة. فإذا علم أولياء الأمور بذلك فقد تحصل مفسدة أكثر من المصلحة، وفي هذه الحالة على المريض أن يرقي نفسه، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت أمرني النبي صلى الله عليه وسلم، أو أمر أن يسترقي من العين".