(صلاح القرشي.. نصك جميل.. لكن رئيس التحرير سيخنقني لو نشرته). لم يجد الراحل عبدالله باهيثم، أفصح من هذا التعبير، ليرد به على مشاركة قارئ، بعث بمحاولته عبر البريد إلى صفحته (على ضفاف الخميس) التي كانت تمثل ما يمكن تشبيهه اليوم، بصفحات المنتديات الإلكترونية، أو شبكات التواصل الاجتماعي، غير أنها كانت تخضع لضوابط ومعايير منها ما هو فني/ مهني بحت ومنها ما هو غير ذلك. بين تلك الحقبة التي بعث فيها الكاتب صلاح القرشي مطالع الثمانينات الميلادية، بنص لا يعرف إن كان نثرا أو شعرا حسب تعبيره، وبين الكلمة التي كتبها المليونير صالح كامل الخميس الماضي وهو يدون شهادة وفاة جريدة الندوة، مسافات حارقة من سنوات ليست بالطويلة في حسابات الزمن إذ لا تتجاوز الثلاثة عقود إلا قليلا، سنوات استفاقت على ثورة الميديا، وإعلاء نغمة (توقف الصحف الورقية)، لتخطف المجد الشاشة، بكل ما تحمله من تطبيقات، لتكون مصدر الخبر، والشائعة بل وربما حتى الفتنة والدجل والخبال، في امتحان حقيقي لنضج المجتمعات وثقافاتها وما إلى ذلك، في الطريق لتخليق أفق جديد هو بمثابة إرهاصات لعصر ابن القرن الواحد والعشرين، النافر من الوصاية.
بعيدا عن تساؤلات تصل حد اللغط والاستعراضية الفجة والصبيانية أحيانا حول بقاء الصحافة الورقية، من عدم حدوث ذلك، وهو ما ستجيب عنه الأيام، أظن من البدهي جدا، أن يشكل توقف (الندوة) مساحة للتأمل، وإثارة أسئلة علمية تتجه نحو ما هو حقيقي من سؤال حول مصائر ما بات يطلق عليه الإعلام التقليدي، رغم أني شخصيا لم ألحظ حتى الآن، اختلافا نوعيا وجذريا في المحتوى والمضمون، اللهم عدا الوسيلة بما توفره من تفوق زمني فحسب، يمثل ميزة لما سمي بـ (الإعلام الجديد) وإن كنت أميل لتسميته (الإعلام البديل)، لأنه كما قلت (لا جديد) كليا يقدمه هذا الإعلام، خاصة في اتجاه ما يعرف بـ (الصحافة الاستقصائية) التي بالضرورة لا تنهض إلا على مهنية صرفة تتحقق فيها كل مقومات المهنة وبدهياتها التي تفضي إلى ما يسميه علم الميديا (الصدقية).
هل يا ترى يمكن لبديل الندوة، جريدة (مكة) أن تمتلك القدرة وتقبض على المعادلة المنتظرة، لتحيا على أنقاض الندوة كالفينيق، وتدوي بالجدة، أم سيكبلها المسمى لتبقى (ورقية) فعلا، وتقدم إثباتا على أن انقراض الصحافة الورقية يبقى (تفكيرا بالتمني) وظاهرة صوتية فقط، استنادا على وقائع تاريخية تجلت في بقاء الراديو والسينما والتلفزيون، واندماجها كلها الآن تقريبا في (الوسائط الحديثة)، دون أن تفقد أي وسيلة من هذه الوسائل شخصيتها ومحدداتها؟