المتفوقون من طلاب الداخل الذين اختاروا الدراسة في الجامعات السعودية لن يدركوا الخطأ الذي وقعوا فيه إلا لحظة تخرجهم عندما يكتشفون أنهم مهملون ومهمشون من قبل الجامعات التي درسوا فيها، ومن قبل وزارة التعليم العالي ومن قبل وزارة العمل، التي لا هم لها إلا الحديث عن مستقبل المبتعثين واستقطاب المبتعثين والبحث عن فرص عمل للمبتعثين ورفع مكافأة المبتعثين.

من يتابع هذا الاهتمام بمستقبل المبتعثين يتبادر إلى ذهنه أن طلاب الداخل ينتمون إلى بلد آخر، ويتضح ذلك من خلال التصريحات المتكررة حول مستقبل المبتعثين وتوظيفهم عندما يعودون دون أدنى ذكر للمتخرجين من الجامعات السعودية، حتى إن صندوق الموارد البشرية أعلن أنه سوف يستحدث برنامجا خاصا بتوظيف المبتعثين فقط "برنامج جاهز"، وهذا يعني أن المتخرج من جامعات السعودية سوف يكون مرفوضا من قبل هذا البرنامج لأنه تخرج من الجامعات السعودية، وعليه أن يقف في طابور البطالة عقابا له وردعا لأمثاله الذين درسوا في الجامعات السعودية. طلاب الداخل سوف يكتشفون حقيقة محزنة متمثلة في دراستهم في جامعات لا تثق في نفسها ولا في خريجيها، وتنطلق خلف استقطاب طلاب تخرجوا من جامعات لا يعرفون عنها الكثير، وبعض هذه الجامعات يتمنى أن يكون في منزلة بعض جامعاتنا مثل جامعة الملك سعود، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن اللتين حصلتا على ترتيب متقدم في سلم الجامعات العالمية، ورغم ذلك لم تقتنع هذه الجامعات بمستوى خريجيها وتشيح بوجهها عنهم وتضع العراقيل أمامهم وترسل مبعوثيها بشكل سنوي لاستقطاب المتخرجين من جامعات أخرى.

مثل هذا الاختلاف في الاهتمام سوف يكون مبررا لو أن جميع المبتعثين كانوا من المتفوقين، أي أنهم أفضل الطلاب على الإطلاق ويدرسون في أفضل الجامعات، إلا أن المتابع لأحوال المبتعثين يدرك أن بعضهم ولا أقول جميعهم ليسوا كذلك، وأرجو أن أكون مخطئا لو قلت إن بعضهم لم تقبله الجامعات السعودية وبعضهم فشل في الجامعات السعودية وطوي قيده بالفعل وذهب محرما مرافقا لمبتعثة ثم أصبح مبتعثا يتكلم عن مستقبله الوزراء ويضمنون له وظيفة عندما يعود رغم كونه مطويا قيده من جامعة محلية بسبب تدني مستواه الدراسي. ويضاف إلى ذلك أن الكثير من هؤلاء الطلاب يدرسون في جامعات لا تختلف كثيرا عن جامعاتنا، فالحصول على مقعد في الجامعات المرموقة أصبح شبه مستحيل، ونتيجة لذلك يتوجه الطلاب إلى جامعات مستواها لا يختلف كثيرا عن مستوى جامعاتنا وبعض هذه الجامعات تتنافس بقوة وتقدم التسهيلات لبقاء هؤلاء الطلاب لديها، وهذا يؤكد مبدأ الربحية والاستغلال المادي الذي لا يمكن أن يجتمع مع التعليم الجاد.

المتفوقون من طلاب الداخل لم يخطر على بال أحد منهم أنه يدفع ضريبة هذا التفوق بالدخول في هذه المعادلة المقلوبة، خصوصا عندما يشاهدون هذا التجاهل على كل المستويات وعليهم أن يدفعوا ضريبة التفوق والحصول على المقاعد الأمامية في الجامعات السعودية، وأصبح أقصى طموحاتهم أن يحصلوا على جزء قليل من المزايا التي يحصل عليها المبتعثون، ففي الوقت الذي يتم التمديد للمبتعث لدراسة المرحلة الجامعية عدة سنوات، نجد وزارة التعليم العالي تكشر عن أنيابها على طلاب الداخل وتقطع المكافأة عن طالب الجامعة عندما يكمل أربع سنوات ولا يتم التمديد له ولو يوما واحدا وهذا غيض من فيض ومجرد مثال من عرض شواهد كثيرة على التمييز في المعاملة بين من يدرس في الداخل وبين من يدرس في الخارج على حساب الوزارة.

التفرقة الواضحة في التعامل بين المبتعثين وطلاب الداخل تصيب الكسلان بالذهول فما بالك بطلاب متفوقين اختاروا الدراسة في جامعاتنا المحلية رغم تفوقهم وانطباق شروط الابتعاث عليهم، وبناء عليه نذكر الجميع بأن طلاب الداخل أبناؤنا ويجب الاهتمام بمستقبلهم والنظر في تمديد المكافأة لهم وعدم إيقافها بل يجب النظر في رفع مكافأتهم وعدم التفريق بينهم وبين المبتعثين في التوظيف بأي شكل وهذا أقل حقوقهم وإذا كان ذلك غير ممكن فالصمت حكمة أيها الأفاضل.