منذ حوالي عقدين من الزمن، أذكر أن جيسي جاكسون قال إنه عند التعامل مع قضايا مثيرة للجدل، على المرء أن يكون حذرا، بحيث "لا يثير حماس طرف، في الوقت الذي يحرض فيه الآخر". ومع أن الكلمات التحذيرية تنطبق تماما على الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فقد تم تجاهلها بشكل متكرر. لقد كانت الولايات المتحدة دائما، بالطبع، تهتم بسياستها الداخلية ولاحظت منذ زمن طويل أهمية الرأي الإسرائيلي. الرأي العربي، من ناحية أخرى، تم تجاهله إلى حد كبير. لقد احتضنا نحن في الولايات المتحدة القادة الإسرائيليين الذين شعرنا أننا لا نستطيع أن نضغط عليهم بسبب ردة الفعل الشديدة لشعبهم، لكننا في نفس الوقت لم نبد مثل هذا الحرص عند الضغط على القادة العرب لاتخاذ خطوات لا يقبلها الشارع العربي، ولم نكترث بالأثر الذي يمكن أن يحدثه هذا على شرعيتهم أو ردات فعل شعوبهم.

بعد خطابه المتميز في القاهرة، اعتقدت أن الرئيس باراك أوباما أدرك الحاجة إلى التعامل مع الثمن الذي تم دفعه بسبب إهمال الرأي العربي على مدى عقود من الزمن. كانت لدي آمال أنه سيستمر في السعي للوصول إلى توازن في تعامله مع هذه القضية بحيث لا "يثير الحماس" ولا "يحرض". لكن الاستماع إلى المؤتمر الصحفي للرئيس أوباما بعد لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في البيت الأبيض، جعلني أتوقف وتسبب بصدمة سيئة لي.

تلقيت تحذيرا مسبقا بأن هذه الزيارة ستكون مختلفة عن اللقاء الاختباري السابق بين القائدين، ولذلك كان عليّ أن أكون مستعدا لحقيقة أن الحب القاسي سيستبدل بحب عادي. لكنني لم أكن مستعدا لمقدار هذا الحب، ولذلك أعترف أنني وجدت التغاضي الواضح الذي لقيه نتنياهو حول المستوطنات، تهديد الولايات المتحدة بمقاطعة قمة حول عدم انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وكل "المواقف الثابتة" وما "لا يمكن كسره" عسير الهضم.

لم أكن وحيدا في هذا الأمر. عدد من المعلقين الأمريكيين كانوا محتارين أيضا من سلوك البيت الأبيض، فيما كانت التعليقات التي قرأتها في العالم العربي، والرسائل الإلكترونية التي استلمتها من أصدقائي في المنطقة تتراوح بين القنوط والغضب.

أنا لا أشك بالتزام هذا الرئيس الأمريكي بالتوصل إلى سلام شامل في الشرق الأوسط. وأنا أقبل تماما أنه مخلص في اعترافه في نهاية السنة الأولى من توليه الرئاسة بأنه لم يكن لديه فكرة حول مدى صعوبة التقدم نحو هذا الهدف. نتيجة لذلك، كانت هناك تعرجات مقلقة لطريقة تعامل إدارته مع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كانت هناك لحظات أرسلت فيها الإدارة الأمريكية رسائل محسوبة (كما في خطاب القاهرة، الذي كان مصمما لإرسال رسالة إلى العالم الإسلامي، إلا أنه احتوى مقاطع خاطبت هموم العرب والفلسطينيين والإسرائيليين). في مناسبات أخرى، كانت هناك ومضات من "التحول إلى الشدة" في قضايا المستوطنات والاستفزازات في القدس، لكن تلك الأمور تلاها بعض المواقف التي كانت بلا معنى (مثل إصرار الرئيس أوباما على ظهور محمود عباس ونتنياهو معه في سبتمبر الماضي في الأمم المتحدة، أو الضغط الأمريكي على الفلسطينيين كي يمتنعوا عن تأييد تقرير جولدستون).

وعبر كل هذه التعرجات، لم يتغير الكثير على الأرض – حيث يعلو صوت الواقع على الكلمات. المستوطنات قد تكون "جمدت"، ولكن كما يوضح تقرير منظمة (السلام الآن) فإن بعض أعمال البناء استمرت، وكذلك استمرت الضغوط التي يواجهها الفلسطينيون في القدس. حصار غزة، رغم تعديله بعض الشيء، لا يزال يؤثر كثيرا على الشعب المحاصر. والسلوك العدائي والعنيف من قبل المستوطنين وسلطات الاحتلال في الضفة الغربية لا يزال مستمرا دون رقابة.

رغم هذا الوضع المضطرب وانعدام التقدم في خمس جولات من المفاوضات غير المباشرة، يبدو أن الرئيس أوباما يريد الآن أن تبدأ المفاوضات المباشرة. الرئيس عباس حدد عدة متطلبات يجب أن تتوفر قبل أن تبدأ مفاوضات السلام المباشرة، وهو لا يريد أن يتخلى عن هذه المتطلبات، خشية أن يواجه إعادة لما حدث في سبتمبر الماضي عندما تعرض لموقف محرج، لأنه أجبر على المشاركة في ذلك الظهور في الأمم المتحدة مع نتنياهو. ومع أننا لم نحصل على أي مؤشر خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في 6 يوليو بأن الإسرائيليين مستعدون لتلبية أي شرط من شروط الرئيس عباس، إلا أنه في الأيام اللاحقة كانت هناك إشارات من الولايات المتحدة بأنه دارت أمور في الاجتماعات التي تمت في البيت الأبيض أكثر مما كشف عنه في مهرجان المحبة الذي أعقب الاجتماع.

مسؤولو الإدارة الأمريكية يشيرون بفخر إلى نتائج جهودهم لتهدئة السلوك الإسرائيلي في القدس ونجاحهم في تخفيف الحصار على غزة – وهي أمور يعتقدون أنها تبرر العناق في البيت الأبيض. (مع أنهم في كلتا الحالتين يعترفون أن هناك الكثير الذي يجب عمله. وهم يصرون على أنهم ملتزمون بأن يعملوا على تحقيق ما هو أكثر من ذلك).

بالنسبة للفلسطينيين المسحوقين الذين لا يثقون بكلمات نتنياهو أو - في هذه المرحلة- بوعود الرئيس الأمريكي، فإنهم لن يصدقوا شيئا حتى يروا الدليل على الأرض. لقد جربوا الكثير من تجميد المستوطنات الفاشل.. جولات من المباحثات بلا معنى.. كثير من إشارات بناء الثقة التي يتم التراجع عنها وكثير من المواعيد النهائية التي لم يتم احترامها. إنهم يشعرون بالصدمة – وهم لا يعرفون إذا كان عليهم فقط أن يغضبوا ويصدقوا أن الإسرائيليين ربحوا جولة أخرى، أو أن يثقوا بهذا الرئيس الأمريكي ووعوده بالمساعدة على تحقيق السلام.