يبدو من التطورات القضائية والشرعية أن النظام الجديد في باكستان هو أضعف بكثير من نظام سيد يوسف رضا جيلاني. فلم يعد القضاء الباكستاني يرحم النظام الحالي والسابق لتورطهما بتجارة المخدرات وغسيل أموالها والجريمة المنظمة وخدمة مصالح أميركا والهند على حساب المصالح الباكستانية العليا.

فقد أصدر رئيس القضاة تعليمات عامة تؤكد على عدم جواز كل التشريعات البرلمانية التي تتعارض مع البنود الأساسية للدستور الدائم لسنة 1973 والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية السمحة هي مصدر التشريع البرلماني وينبغي ألاّ يتناقض أي قانون مع بنود الدستور الدائم لسنة 1973 الرئيسية.

كما طعن رئيس القضاة محمد افتخار تشودري بقرار رئيس الجمهورية بالعفو عن رئيس الوزراء السابق مخدوم شهاب الدين لتورطه بتهريب وغسيل أموال المخدرات. وقال إن صلاحيات رئيس الجمهورية لا تخول له العفو عن المجرمين.

وفتحت قضايا جنائية أيضا ضد رئيس الوزراء السابق سيد يوسف رضا جيلاني ونجله سيد موسى جيلاني لتورطهما بتجارة وغسيل أموال المخدرات، فأصدر زرداري قانونا رئاسيا يحظر على المحاكم إثارة أي قضايا ضد جيلاني اعتبرها تشودري مناقضة لأحكام وبنود الدستور.


وظيفتا الرئاسة والحزب

في السياق ذاته تحدى المحامي في محكمة العدل العليا محمود أختر نقوي الازدواج الوظيفي لرئيس الجمهورية آصف علي زرداري. ففي دعوى رفعت في محكمة العدل العليا أكد نقوي أن جمع زرداري بين وظيفة رئاسة الجمهورية ورئاسة حزب الشعب الباكستاني لا ينسجم مع البند رقم 43 من الدستور طالبا منه الاستقالة من أحد المنصبين.

كما تحدى نقوي الحصانة القضائية لرئيس الجمهورية على اعتبار أن تورطه بجريمة غسيل أموال المخدرات وإيداعها في حسابات خاصة له في البنوك السويسرية يسقط الحصانة القضائية منه. وقبل رئيس القضاة محمد افتخار تشودري القضيتين وطلب من رئيس الجمهورية أن يوكل محاميا يدافع عنه في المرافعات الأولية قبل بداية المرافعات بصورة رسمية وضمن إطار زمني محدد لم تذكره المحكمة.

على صعيد آخر، أسقطت محكمة العدل العليا عضوية زاهد إقبال من مجلس الشيوخ، لأنه يحمل جنسية أميركية إضافة للجنسية الباكستانية. كما هددت بإسقاط عضوية جميل ملك من الجمعية الوطنية، لأنه يحمل جنسية هولندية وعضوية فرحت محمود خان وعضوية نادية جوندل لأنهما يحملان الجنسية البريطانية.


تصفية طالبان

على الصعيد الأمني وبتاريخ 26 يونيو الماضي صرح مستشار رئيس الوزراء لشؤون الداخلية رحمن ملك بأن الجيش والأجهزة الأمنية والشرطة تمكنوا من تصفية كبار قادة حركة طالبان باكستان في منطقة القبائل الباكستانية تحت الإدارة الاتحادية (فاتا). لكن ملك اعترف بأن قيادات أدنى للحركة ما زالت منتشرة في مختلف المدن الباكستانية مشكلةً خطرا كبيرا للمجتمع المدني.

وبثت حركة طالبان باكستان على موقع الإنترنيت فيلم فيديو يبين إعدام 17 جنديا باكستانيا بقطع رؤوسهم عن أجسادهم في مخيمات لها داخل أفغانستان. رد الجيش بتكثيف العمليات التطهيرية ضد الحركة في كافة أنحاء منطقة القبائل تحت الإدارة الفيدرالية (فاتا) يستخدم فيه الطائرات العمودية المقاتلة وقاذفات الصواريخ والمدفعية الثقيلة والقوات الخاصة (الكماندوز). تستهدف العمليات مخيمات ومخابئ حركة طالبان ومستودعات الأسلحة وميليشيا المهاجمين الانتحاريين بقيادة ولي الرحمن محسود.

كما طلبت محكمة العدل العليا من رحمن ملك أن يقدم طلبا مكتوبا يشرح فيه ملابسات حصوله على الجنسية البريطانية ويوثق تخليه عن تلك الجنسية كي يستعيد عضوية مجلس الشيوخ التي أسقطت عنه.

في بلوتشستان أحبطت الشرطة والأجهزة الأمنية محاولة تفجير سيارة مفخخة لجأت إليها منظمة جيش تحرير بلوتشستان المحظورة التي تسعى لفصل الإقليم عن باكستان من خلال تفكيكها.





تفكيك باكستان

في السياق ذاته تنبأ الرئيس الأميركي باراك أوباما بتفكيك باكستان ووضع خطة للسيطرة على أسلحتها النووية حسب كتاب ألفه مراسل "ذي نيويورك تايمز" ديفيد سانجر بعنوان "حارب وأخفي: حروب أوباما السرية واستخدام القوة الاميركية المفاجئ" صدر للأسواق حديثا. وكانت منظمة "راند" للدراسات الاستراتيجية، وضعت خطة تفكيك باكستان والسيطرة على أسلحتها النووية في موعد أقصاه 2014.

فالنظام الحاكم يعاني من تآكل السلطة وضعف الحكومة ودولة المؤسسات، مما يعني ضعف الاتحاد الباكستاني وتقوية الحركات الانفصالية فيه. وهي أمور كلها ستؤدي بالنهاية للتفكيك الذي تحدث عنه أوباما وتربص قوات الكماندوز الأميركي للسيطرة على أسلحة باكستان النووية والصاروخية.


مقاضاة بسويسرا

وكانت هيئة مكونة من 3 قضاة برئاسة رئيس القضاة محمد افتخار تشودري، طلبت من رئيس الوزراء الجديد راجه برويز أشرف فتح قضايا غسيل أموال المخدرات ضد رئيس الجمهورية آصف علي زرداري في المحاكم السويسرية. كما وجهت المحكمة المدعي العام أن يعلم رئيس الوزراء راجه برويز أشرف بكتابة رد تحريري للمحكمة محذرة بأنها ستصدر قرارها حول الموضوع دون تأخير إذا تجاهل أشرف توجيهات المحكمة ولن يكون مصيره مختلفا عن مصير رئيس الوزراء السابق سيد يوسف رضا جيلاني.

يذكر أن اسم أشرف جاء في قانون المصالحة الوطنية للجنرال برويز مشرف سنة 2008 والذي أعفى بموجبه عن 8000 من كبار العسكريين والبيروقراطيين وقيادات الأحزاب السياسية عن جرائم ارتكبوها بما في ذلك إعفاؤهم من دفع قروض من البنوك الرسمية تقدر بمليارات الروبيات وحصولهم على عمولات من شركات الكهرباء الأميركية وشركات أخرى مقابل استيراد بضائع بأسعار سعرها ثلاثة أضعاف الأسعار في الأسواق العالمية، كما هو الحال في شراء الكهرباء من الشركات الأميركية، حيث ألغت محكمة العدل العليا أخيرا تلك العقود وفتحت تحقيقات ضد مهندسها الرئيسي راجه برويز مشرف عندما كان وزيرا للكهرباء و الماء. ولا يزال أشرف مترددا في فتح قضايا الفساد نظرا لأن اسمه يتصدر قائمتها.


شراء الوقت

من ناحية أخرى يحاول النظام الحاكم بقيادة زرداري شراء الوقت وإكمال 8 أشهر متبقية للنظام الحاكم وحتى إكمال مدة 5 سنوات وعقد الانتخابات البرلمانية في سنة 2013. ويأمل النظام الفوز في الانتخابات القادمة من خلال استخدام أموال المخدرات وشراء الذمم في تشكيل تحالفات انتخابية مع القوى السياسية المختلفة والطبقة الإقطاعية والمؤسسة التي تدير الأمور من وراء الكواليس وتمتلك القرار السياسي الحقيقي.

وفي السياق ذاته أصدرت لجنة الانتخابات العامة تعليمات جديدة طلبت فيها من كل مرشح انتخابي أن يقدم بيانا بثروته ومصدر تلك الثروة وضريبة الدخل التي يدفعها. كما حددت اللجنة المبالغ التي ينفقها كل مرشح على الحملات الانتخابية، وتقرر ألا تزيد على 1,5 مليار روبية باكستانية. تقرر أيضا أن يعلم كل مرشح لجنة الانتخابات عن موقع الحملة الانتخابية وتاريخها قبل أسبوع واحد والحصول على موافقة مسبقة كي لا تشل الحملة الحياة اليومية والاقتصادية الباكستانية إذا اختارت الساحات والأسواق العامة.


منع الطعن

ومنعت اللجنة أيضا كافة المرشحين الطعن بالمنافسين أو استخدام شعارات طائفية أو عرقية أو لسانية أو انفصالية أو أخرى منافية للأخلاق العامة وفكر باكستان والشريعة الإسلامية السمحة التي يستند التشريع البرلماني برمته إليها.

وفي مومباي اعترف الشاهد الرئيسي أبو حمزة (ضبي الدين أحمد) بتورط منظمة لشكر طيبة (جماعة الدعوة) بقيادة حافظ محمد سعيد ومولانا عبد الرحمن مكي بالتخطيط لعمليات مومباي الإرهابية في 26 نوفمبر سنة 2008 والتي قتلت 166 شخصا وبإيعاز من المخابرات العسكرية الخارجية (آي.أس.آي) ولكن مستشار رئس الوزراء للشؤون الداخلية رحمن ملك أسرع بإنكار تورط الجهاز بالعملية معترفا بوجود عناصر مارقة في الجهاز لا تمثل الجهاز برمته.

تجدر الإشارة إلى أن رحمن ملك أعلن أن مهمته هي وضع الجهاز تحت سيطرة وزارة الداخلية منذ أن كان وزيرا للداخلية سنة 2008، لكن رئيس المؤسسة العسكرية الجنرال أشفاق كياني رفض ذلك وأجبر ملك على سحب تصريحاته.


تشكيل الدستورية

نظراً للقضايا العديدة التي يثيرها رئيس القضاة محمد افتخار تشودري ضد النظام الحاكم فقد تقرر تشكيل المحكمة الدستورية الفيدرالية بمهمة التعامل مع القضايا الدستورية العليا وتفسير بنود الدستور لتكون موازية لمحكمة العدل العليا. وعُلم من مصادر موثوق بها أن تشودري حذر الحكومة من تشكيل المحكمة، لأنها ستؤدي إلى صراع على السلطة القضائية العليا، لكن الحكومة مصرة على موقفها.

وفي السياق نفسه أمرت محكمة العدل العليا تعطيل مدير شرطة إقليم جلجت بلتستان في الأقسام الشمالية المتاخم لأفغانستان سيد حسين أصغر لتخلفه عن الامتثال أمام المحكمة في قضية المفقودين في المنطقة وفشل الشرطة في السيطرة على الأمن والنظام في الإقليم.