أصدر الباحث محمد أحمد معبر كتابه "الصحافة العربية الساخرة" من إصدارات نادي أبها الأدبي عام 1432، وقد شملت الدراسة 100 عام، تمكن خلالها من رصد وتوثيق هذه المسيرة الطويلة والشاقة وقليلة المصادر والمراجع، ولكن هذه الدروب المؤثثة بالإحباط، لم تثن الباحث عن تحقيق توقه ورغائبه، ولم تعقه عن تسليط الضوء على ماهيات مهملة، ومناطق مستبعدة ومنسية، كان لها دور في صوغ وصناعة الفكر المجتمعي، فالتعاطي مع السخرية في العالم العربي، يغلب عليه طابع الملهاة والعبث والمؤانسة، ولم يكن ينظر إليه على أنه الإكسير المطبب لمكامن العلة والجذوة الفائقة ضد هواجس الانكسار، وعلائق العزلة والإكراهات، والباحث واحد ممن أسهم بطروحاته الواعية من خلال عشرين كتابا أو أكثر، فهو يمارس مهنته النخبوية واشتغاله البحثي دون أن يصنع لنفسه هالة مزيفة وحضورا خادعا وعقيما كما يصنع بعض الأباطرة، وقد بدت مهارته وصبره ونجاعته المعرفية من مفتاح البحث، حين عنونه بكلمة "السخرية" فهي ليست النكتة أو الملحة إذ ليس فيها عنصر الهزء وليست التهكم، إذ لا يشترك فيه الإضحاك، وهي ليست العبث الذي يقترن بالبراءة، وهي ليست المجون الذي يقترن بالتبذل، وقد عرضت للباحث كثير من المصاعب وهو يدون هذا السفر، مثل غياب الدوريات الساخرة التي تعينه على تحديد محتوياتها وتاريخ صدورها، إلى جانب اختلاف المراجع التي تحدد ظهور الصحافة الساخرة في هذا البلد أو ذاك، وقد توصل معبر إلى أن بداية ظهور الصحافة العربية الساخرة كان عام 1873 من خلال "الجعبة" وهي جريدة أسبوعية مطبوعة على الجلاتين، أصدرها نوفل الخازن في قرية "درعون" بلبنان، وانتهى زمن الصحافة الساخرة على يد عبدالله أحمد عبدالله "ميكي ماوس" عام 1970، حين اختفت مجلة "البعكوكة" رغم أن مؤرخي الصحافة يرون أن يعقوب صنوع، هو رائد الصحافة الساخرة حيث أصدر "أبو نظارة زرقا" عام 1877، وقد أورد الباحث فصلاً كاملاً عن الكاريكاتير وأبرز أعلامه، كما استشهد بالصور الشعرية التي وردت في التراث العربي، وتدخل في باب السخرية والفكاهة، وقد تعذر على الباحث العثور على مبتغاه، وهو يتحدث عن الصحافة الساخرة في المملكة العربية السعودية، وبالذات في مرحلة الدراسة التي امتدت من عام 1290هـ إلى 1390هـ، حيث لم تحفل الصحافة السعودية ولم تلتفت لهذا الأفق، نظرا لصرامة النسق القيمي والاجتماعي كما أظن، حيث ذكر "أبو حياة" في مجلة الأضواء، وزاوية عبدالله الخطيب في مجلة الجزيرة، والشاعر أحمد قنديل وقناديله الشعرية الساخرة، والصحفي المتجول أحمد سعيد مصلح في صحيفة المدينة.