مجالات الأدب والثقافة والفن والطب والعلم والصحافة، تشهد كغيرها من المجالات تطفلا على أصحابها الحقيقيين، من قبل بعض المدّعين المتسلقين الذين يبتكرون من المسميات ما يخولهم للدخول في هذا المجال أو ذاك مجازا، للتمتع بالمزايا الاجتماعية أو المادية لأصحابه، فتجد المعالجين بـ (الإيحاء، اللمس، الهمس) وغيرها لادعاء شرف الانتماء لمهنة الطب السامية، وفي الأدب والثقافة ومثلها الخدمة الاجتماعية تجد الناشطين والناشطات (وما أكثرهم)، والذين لو طلبت منهم تحديد مجالات عملهم لارتبكوا، ويكفي الأدب شرفا أن يدعي الانتساب له من لا يحسنه.

وفي مجال الدين، المجال الأبرز، ظهرت علينا قوافل تترى من الدعاة والداعيات، أو هكذا سموا أنفسهم، وللأسف الشديد انطلت هذه التسميات على البسطاء من الناس، فاكتسب هؤلاء الدعاة شهرة وتبجيلا فاق ما يمنح للعلماء الحقيقيين والشيوخ الأفاضل أصحاب العلم والمعرفة والدين، وذلك بسبب تحركاتهم الكثيرة وأنشطتهم الـ(دعوية) التي لا هدف لها إلا جمع الجماهير والأتباع في مواكب من الشهرة تفوق ما للفنانيين والمطربين، إن أغلب هؤلاء الدعاة كانوا في الأصل (عصاة) فمسمى الداعية ينالونه في المرحلة الثانية من مسلسل الدعوة، بعد مخيمات صيفية وكشفية وغيرها، يستضاف فيها هذا الرجل أو ذاك تحت عناوين (المفحط التائب، المدمن التائب) وغيرها من المعاصي المتبوعة بكلمة (تائب)، وفي الوقت الذي ثبتت عليه المعصية أو الذنب فإننا لا نستطيع إثبات التوبة النصوح، لأن علمها بيد الله سبحانه، إلا أن هؤلاء مع مرور الوقت اللازم لنمو اللحية وارتفاع الثوب عن الأرض، يكتسبون صفة (الدعاة) ويغادرون المخيمات إلى طاولات الإعلام المرئي في الفضائيات عامة، ولا أقول الدينية فقط، فبعضهم ظهر في قنوات تبث الفساد من وجهة نظره.. والبسطاء من الناس لا زالوا خلف هذا الداعية أو ذاك مشدودين ببساطتهم وسذاجتهم التي تعميهم حتى عن الحقائق التي تسقط من لسانه هو، كما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (المرء مخبوء تحت لسانه)، إلا أن انبهار العامة بهذا أو ذاك من الدعاة المقنعين بأقنعة الدماثة والتدين والأدب، وقف حائلا دون رؤية الحقيقة، ويكفي أن نطل إطلالة سريعه على قواميسهم اللغوية التي تحفل بالمفردات (السوقية) التي لا يليق بالشخص العادي استعمالها فضلا عن الداعية، لكن هؤلاء الأتباع وجدوا داعيهم المفضل، أحد أبطال حفلات سقوط الأقنعة، التي نتابع كل تفاصيلها منذ مدة، ولا زالت مستمرة، فكان آخر هذه الأقنعة الساقطة سقوطا مدويا، قناع أحد (الدعاة) المشهورين، وأحد أصحاب مخيمات التوبة، في قضية تعنيف طفلته حتى الموت، بشكل بشع ومؤلم، وقد سبقه الكثير من الدعاة الذين تساقطت أقنعتهم تباعا، فاعتبروا يا أولي الألباب.