ليس أجمل من أن تتأمل وتمعن النظر في لوحة رسمتها أنامل صغيرة معبرة عن حلمها ورؤيتها وملامح مستقبلها، الأطفال حين يرسمون يقولون كل شيء، ينفذون إلى أبعد ما يمكن وأصدق ما يباح به، ولهذا إذا أردت لطفل أن يأخذك إلى عالمه فقرب له لوحة وريشة وصندوق ألوان ثمّ تهيأ لما لم تستطع البوح به أو الوصول إليه، لا تعجب حين ترى يدا صغيرة تلطخ بالسواد وجه الورقة البيضاء فهذه نفس منكسرة انسكبت كأصدق ما يكون محاولة التخفيف عما يعتريها من ألم فراق أو عنف أو فقد، ولا تدهش إذا تاه بصرك في أفق ألوان زاهية نثرها طفل أمام الناظرين فتلك حياته كما أحبّ وعاش وتمرّد.

الأطفال حين يرسمون فهم في الواقع يكتبون مقالاتهم ويصرخون في وجه الظلم، وينشدون أعذب ألحانهم، وهم كذلك يعلنون حضورهم ومشاركتهم لنا بناء الحاضر واستشراف المستقبل، وهذا ما يرومه ملتقى الأطفال العرب الذي تشهد عسير افتتاحه غدا في "البينالي" الدولي لهذا العام، الذي يضم قرابة أربع عشرة دولة عربية - منها دول الربيع العربي- جاءت تحمل إبداعات أطفالها الذين ولدوا من رحم المعاناة وتوشحوا بالأمل وامتطوا صهوات العزيمة والإصرار.

إن بينالي عسير الذي اعتاد تعليم عسير على تنظيمه منذ عام 2010م لهو منجز نبع من رؤية نظرت إلى الصندوق من الخارج، وفكرة خلاقة كانت حلما فأضحت واقعا مشرّفا بتعاون المخلصين الذين دأبوا على نكران ذواتهم والعمل على تبديد الصعاب في الطريق إلى النجاح، إنها التظاهرة التي تحتفي بالفن حين يكون متجليا ومشرقا وذا أثر، الفن عندما يخدم القضية ويعزز المهارة لدى أطفال كانت أولى محاولاتهم مجرد خربشات لكنها تعني شيئا، بل كل شيء.

كنت مواكبا للمعرض الأول وكان عالما من الإدهاش تنظيما وتنفيذا وختاما، ونرجو ألا يقل "بينالي2014" عنه إن لم يتفوق كما أرى من حماسة شباب عسير منذ أن أصبح الملتقى بصمة عسيرية بروح دولية، مؤملا أن يتجاوز النطاق العربي إلى دول أوروبية سباقة في هذا المجال، إذ إن الفن لغة مشتركة تقفز برشاقة فوق كل الحواجز ليكون الإنسان أولا وقبل كل شيء.