في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 75 مليون نسمة، 60% منهم أعمارهم أقل من 30 سنة، وحيث نسبة المتعلمين مرتفعة، والشعب الإيراني مهتم بالسياسة إلى حد كبير، فإن الاصطدام بين الشعب والنظام أمر محتمل جدا. لا يكاد يمر يوم دون أن يحكم القضاء على أشخاص بالسجن لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
عندما يتعرض شخص ما للاعتقال، أعتقد أن أول شيء يخطر في باله هو فيما إذا كان سيرى أسرته مرة أخرى. أماكن الاعتقال قد تكون في أماكن مختلفة، ما يجعل الاعتقال أكثر غموضا ورهبة هو الجهة التي تنفذ الاعتقال والمكان الذي سيتم التحقيق معك فيه، بحسب مصادر رسمية، لدى الحرس الجمهوري والقضاء ووزارة الاستخبارات مراكز اعتقال مختلفة، كل جهة من هذه الجهات لديها أسلوبها الخاص في التحقيق مع المعتقلين، وبسبب الصلاحيات الكبيرة التي يتمتعون بها فإنهم يستطيعون استخدام القوة أثناء التحقيق.
مات أشخاص كثيرون تحت التعذيب ولم تكلف الحكومة نفسها مطلقا عناء التحقيق الجدي في الموضوع ومعاقبة الفاعلين، في حادثة جرت مؤخرا، مات مدون شاب اسمه ستار بيهيشتي بعد اعتقاله بأربعة أيام فقط، الإنترنت والصحافة العالمية تناقلت أنباء هذا الشاب الذي لم يتجاوز عمره 35 سنة وكان عاملا فقيرا يعيش مع والدته المسنة في ضاحية روبات كريم في طهران، كان ستار منزعجا بسبب الاقتصاد حيث إن فقره منعه حتى من الزواج، لذلك بدأ يكتب في مدونة وينتقد النظام وآية الهط خامنئي بكل صراحة. انتقاداته لخامنئي ضربت على وتر حساس، ولذلك اعتقلته الشرطة الإيرانية منذ أسبوعين.
بعد أسبوعين من اعتقاله تلقت شقيقته اتصالا من مسؤولين وأبلغوها بوفاة ستار وأن العائلة تستطيع أن تستلم جثته عندما يشترون قبرا لدفنه، تحدث المسؤول معها ببساطة وكأنه يتحدث عن طقس يوم ماطر، لم يسمح لعائلته حتى بعمل تشييع إسلامي قبل دفنه، كل الذي سمحت به السلطات هو قدوم الأهل إلى المقبرة حتى تتمكن الأم من إلقاء النظرة الأخيرة على ابنها قبل دفنه.
ولكن من المسؤول عن موت ستار؟ وكيف مات؟ متى وكيف؟ بالتأكيد لن يعرف أحد، وسيتم اعتبار ملف ستار سريا مثل كثير من الملفات المشابهة قبله، رئيس السلطة القضائية آية الله لاريجاني، وبعد فترة من الصمت، وعد أخيرا بفتح تحقيق كامل في قضية الشاب ستار، وفي نفس الوقت الذي صدم فيه الشعب الإيراني كله بسبب موت هذا الشاب، تقبع في سجن إيفين أم ومحامية وناشطة في مجال حقوق الإنسان، السيدة نسرينسوتوده، التي أضربت عن الطعام منذ أكثر من 4 أسابيع. ما الذي تريده نسرين؟ تريد أن ترى أبناءها الذين لم يسمح برؤيتهم لفترة 4 أشهر وحتى 8 نوفمبر حين أكملت 27 يوما من إضرابها عن الطعام. وقد قررت أن تستمر في إضرابها عن الطعام رغم مناشدات عائلتها والمحامين والناشطين لإنهاء هذا الإضراب، هي تريد أن تضع شرطا بضمان حقها في أن يزورها أبناؤها بشكل منتظم وأن يسمح لها بالتواصل معهم عن طريق الهاتف وأن يسمح لها بالتحدث مع أقربائها مثل باقي السجناء.
السيدة ستوده كانت تعمل محامية للقاصرين الذين يرتكبون جرائم وحكم عليهم بالإعدام، وهي متهمة بالتآمر ضد النظام والتعاون مع أعداء الجهورية الإسلامية، حكم على نسرين ستوده بالسجن 6 سنوات ومنعت 20 سنة من ممارسة المحاماة.
ماذا سيحدث لو ماتت في السجن بسبب إضرابها عن الطعام؟ هدى صابر كانت ناشطة وطنية وماتت في السجن في العام الماضي بعد إضراب طويل عن الطعام، الموت والحياة في سجون إيران في يد السجانين بعد الله سبحانه وتعالى، الناس الذين عانوا من اتهامات سياسية وسجنوا كانوا يعرفون أن ظروف اعتقالهم وحياتهم يمكن أن تتغير في حال لم يتهاونوا مع المحققين بشكل كاف. في دوائر الصحفيين وناشطي حقوق الإنسان والناشطين السياسيين، يعرف الجميع نوع الخطر الذي يعرضون أنفسهم له في أماكن الاعتقال قبل أن يتم توجيه التهمة إليهم بشكل رسمي وقبل أن يواجهوا القاضي لمحاكمتهم والحكم عليهم، فرص النجاة في مراكز الاعتقال يتحكم بها أشخاص غير معروفين.
معرفة التصرف خلال الأيام القليلة الأولى من الاعتقال فن بحد ذاته. ستار بيهيشتي كان عاملا بسيطا، وكان الإنترنت نافذته الوحيدة التي يرى من خلالها العالم ويعبر من خلالها أيضا عن آرائه وعن نفسه، انعدام خبرته حول مراكز الاعتقال السرية بسبب عدم اختلاطه مع النخبة من السياسيين والناشطين حرمته من سماع تجاربهم، وهذا الجهل ربما كلفه حياته.
ربما مع انعدام مسؤوليات وحقوق المواطنين، أفضل طريقة ينقذ من خلالها المعارضون الإيرانيون أنفسهم هو تعلم فنون التحقيق، هناك حاجة لدليل مكتوب حول كيفية التعامل مع المحققين المتوحشين في مراكز الاعتقال في إيران.