طارق فردان القحطاني

الرياض


فجأة وجد العالم العربي نفسه وسط بحر هادر من فضاء متخم بمادة إعلامية مبهرة، أصابته بحالة من عدم التوازن والمراوحة في نفس المكان، غير قادر على تحديد موقفه منها والطريق الصائب للتعامل مع وضع لا يمكن أن يظل بمنأى عنه، وإلا غرق وسط هذا الهدير الهائل الذي لا يرحم ولا ينتظر المتقاعسين أو المترددين طويلا، فما كان منه إلا أن دخل في الميدان ليعلن أنه موجود وأنه قادر على الفعل.

لكن الحقيقة أنه دخل حلبة صراع لم يحدد هو قواعده، بل والأكثـر من ذلك أنه يجهلها، لكنه بعد دخولها راح يسأل عنها، وهذا أحدث خللا كبيرا في كيفية المواجهة وضبط الإيقاع، مما جعل زمام المبادرة الإعلامية في غالب الأحيان ليست في يديه، واكتفى بأن يلعب دورا ثانويا في المشهد الإعلامي، وإن شئت الدقة دور المتبع غير المبتدع، وهذه أم المشاكل التي تواجه واقعنا الإعلامي.

وأولى خطايا إعلامنا العربي هي المنطلقات التنظيرية أو الفكرية، التي أسست لكثير من ممارسته على أرض الواقع، والتي تعتمد في مرجعياتها اعتمادا يكاد يكون كليا على المدارس الغربية، التي تختلف في ظروفها التاريخية ونسقها القيمي عن واقع مجمعاتنا، مما جعل إعلامنا يسير في طريق من التقليد لحزمة من البرامج لا تثقف فكرا ولا تعلم أميا ولا توعي من لا يعلم، بل تغرقه في متاهات من الصخب والتسطيح والتغريب والتغييب، فضلا عن استيراد مئات البرامج لملء ساعات الإرسال لقنوات باتت لا تحصى عددا، ولكن ضعيفة المضمون واهنة القيمة والأثـر.

الشاهد أن إعلامنا العربي لم يقدم الصورة الحقيقية لواقع أمتنا العربية، أو لتاريخها الحضاري الذي يجهله العالم أو يتجاهله، فضلا عن قطاع غير هين من أبنائه، ولم يقدم دعما للقضايا العربية ومخاطبة الرأي العام العالمي باللغة التي يفهمها.. ولا عجب في ذلك ما دام هو ذاته معنيا ليل نهار بمتابعة غيرنا، ابتداء بالتحولات السياسية في العالم وليس انتهاء بآخر صيحات الأزياء لنجمات هوليود وعلاقاتهم العاطفية.