لا تخلو دعوات بعض الإسلاميين الذين يتسمون بأسماء وشعارات مختلفة، ويتبعون لتنظيمات وأحزاب وجماعات متباينة، لا تخلو دعواتهم من التطرف والمبالغة في أحايين كثيرة، بل ويسعى هؤلاء إلى فرض وجهة نظرهم المتطرفة على كل شرائح المجتمع، حتى لو كان مجتمعا جبل على التعدد والاختلاف والوسطية، كما هو الحال مع بعض الدعوات التي يطلقها بعضهم بين الحين والآخر، في دول الربيع العربي، كالدعوات الشائكة التي أطلقت هنا وهناك، والتي تنادي بعودة المرأة إلى مربع الحريم وعصور الجواري، وبعد المناداة بتعديل الدساتير من أجل السماح بتزويج القاصرات، اتكاءً على ما استشهدوا به من التراث الإسلامي، وهي دعوات تنبئ عن علاقة مأزومة بين هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة والمرأة ككائن بشري، وهذا ليس بجديد. ولمصر تحديدا بوصفها إحدى الدول التي مر بها ربيعنا العربي، وضع مختلف جدا، بحكم حضارتها الفرعونية القائمة على المنحوتات والمحنطات والتماثيل والصور، وهذا ما أزعج البعض من الطالبانيين. فخرج أحد شيوخهم الجهاديين مناديا على الفضائيات بأن يقوم المسلمون بواجبهم الذي لم يقم به عمرو بن العاص في مصر، وهو هدم وتحطيم الأصنام: أبو الهول، وخوفو، وخفرع، ومنقرع، وتوت عنخ آمون، وكل ما يعثر عليه من أوثان على شاكلتهم، أسوة بما فعل طالبان بالصنم بوذا انتصارا للدين، فلا فرق ـ في نظره ـ بينها وبين الأصنام التي حطمها إبراهيم الخليل عليه السلام، ولا بين اللات والعزى وغيرها من الأصنام التي حطمها المسلمون في عصر النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، غاضا الطرف عن ثورة المهتمين بالتراث الإنساني، الذين يرون في هذا عبثا، وأن هذا التراث ملك لكل الناس، وليس للإسلاميين وحدهم. رافضا كل محاولات الإقناع التي قالت له إن هناك فرقا بين بوذا واللات والعزى وأبو الهول، فـ"بوذا" ربما أنه كان يعبد، بينما "أبو الهول" مجرد تمثال، والكثير من الفقهاء برروا إبقاء عمرو بن العاص على مثل هذه الأصنام، وإبقاء المسلمين في العصور الإسلامية على بعض التماثيل في البلاد المفتوحة بانتفاء العلة، وعدم وجود من يتعبد بتلك التماثيل.
إن مثل هذه الدعوات المتسرعة غير المدروسة بشكل جيد، والتي لم ولن تنال إجماع العلماء المسلمين، تعطي انطباعا سيئا عن الإسلام، وتخيف كل شرائح المجتمع من غلبة التيارات المتشددة، وترى فيه تطرفا وإقصاء للآخر وتهميشا لقناعاته وسلبا لمقتنياته وإرثه الحضاري باسم الدين. هذا الشعور سوف يمتد إلى المسلمين أنفسهم، الذين لا يرون في هذا الفكر صوابا ومنطقية واعتدالا، فكيف يرى العالم الإسلام اليوم؟