حدثني شخص ـ غفر الله لنا ـ ذات يوم معاتبا: (لماذا يظهر المثقف بغير هيئته الرسمية؟ الكاتب والناقد وقبل ذلك المثقف، لا يجب أن يراه الناس بغير زيه الرسمي!). ابتسمت له وأنا أقود السيارة ذاهبا إلى وجهتنا ثم عدت له بعد أن سرحت قليلا وأجبته بهدوء: المثقف ليس سوى مواطنا، وقبل ذلك إنسانا، وليس كائنا فضائيا "أخضر" اللون! ليس معنى أن تكون مثقفا أن تكون متجهما، متكبرا، صارما لا تتحدث إلا في قضايا ولا تنام إلا مع صحف وكتب ولا تستيقظ إلا وقد حلمت بأنك الكاتب الأكبر!. صورة المثقف لدينا خاضعة لشروط مزاجية بناء على محيط المثقف الذي يعيش فيه وكأن من طبقها أصبح مثقفا وأستاذا بصورته الرسمية بالثوب السعودي والشماغ أو الغترة ومن لم يطبقها ليس سوى شبه مثقف! وإن تحدثت عن ذلك فلا بد أن أتحدث عن سلوكيات يفعلها المثقفون ليشعروا بمشاعر مختلفة لا أريد أن أذكرها وسيفهمها الكثير ممن لاحظ ذلك، والمحزن أن يتأثر آخرون بهم ويقلدوهم إعجابا بهم! معايير الثقافة لدينا معقدة وكأننا مقبلون على تسجيل في إحدى جامعاتنا! أو خريجون ينتظرون وظيفة! وأثق بأننا سنقبل في تلك الجامعة أو الوظيفة ولم نقبل بعد كمثقفين في زمن الحزبية!. الثقافة أسلوب حياة، وأتذكر أنني كتبت عن الثقافة يوما قائلا: (قد يتساءل البعض ـ إن لم يكن الكل ـ ما أهمية أن أكون مثقفا؟ وهذا السؤال نابع من عدم إيمان بدور الأدب في بناء المجتمع وبناء الحضارة فالمثقف هو واجهة الأدب، فالأدب موجود من قبل أن يكون المثقف موجودا ولكن دور المثقف أنه الذي يحركها، ينشطها، يفعلها ويعيدها مرة أخرى بعد نسيان، عندما تعود الثقافة يعود الأدب وعندما يعود الأدب نبني صرحنا وحضارتنا وعلومنا معتمدين على أنفسنا وعلى مثقفينا). عندما تكون مثقفا! عنوان دائما ما أراه كثيرا في أرجاء الشبكة العنكبوتية، وكنت قد استغربت سبب إضافة مثل هذه العناوين والنقاشات وبعد فترة أدركت السبب لأنني عشت النتيجة!. عندما تكون مثقفا تكون وحيدا، محاربا، متألما، وربما خائنا! ذلك يعود إلى مفهومنا للثقافة فلكل مثقف تعريف منفصل لها ولمكنوناتها، وهذا ما يثبت أننا نُعاني من "أزمة مصطلحات" فما يحدث لنا هو انهيار المصطلحات واللعب بها لتحقيق أهدافنا وتمرير أجندة نفسية وشخصية! وإن وجدنا المفهوم الصحيح وحاولنا توصيله فما يحدث حينها هو إكثار في استخدام مصطلحات كبيرة على القارئ والمثقف وتمطيطها وترميزها وشرح المصطلح بمصطلح ولربما وصل الأمر إلى تفخيخها!. الثقافة ليست شكلنا الخارجي أو لبسنا أو تصرفاتنا! إنها أسلوب حياتنا وتعاملنا واحترامنا للأنظمة والقوانين، إنها الثقافة هي ما تحسن وضع حياتنا ومعيشتنا بأرقى معاني التعامل مع الآخر، وليست مصدرا للمال أو الشهرة ونظريات تفرض ولا تطبق وانتفاضات! المثقف له هدف واع، ورؤية نابعة من مفاهيم دينية، بناؤه ثقافة إسلامية، وفكر معتدل، يجب أن نخرج من صورة المثقف النمطية التي تأتي لنا بأشكال معينة حسب محيط المثقف، وكما نرى البعض يحاول أن يتطبع بها معتقدا أنها صفات يجب أن تتوفر في الشخص ليصبح مثقفا! ما أثق فيه هو أن المثقف دائما ما يكون تحت المجهر ممن يمتلك صلاحية الصعود والنظر عبر المجهر!
تحاورنا أنا وصاحبي في معايير تحديد المثقف وصورة المثقف لدينا ودندنا حول هذه الإشكالية بعض الوقت حتى شتتنا مجموعة من الشباب يتطايرون ـ كما الريشة ـ في إحدى السيارات طربا على أنغام إحدى الأغاني!