يا فتاح يا عليم .. بدأ الرئيس "أوباما" ولايته الأخيرة بقبول استقالة مدير دبابيس أميركا/ "ديفيد بتريوس" لسبب شخصي "تافه" هو نزوة شيطان مع كاتبة سيرته الذاتية التي فضحت ما كان بينهما مؤكدة المقولتين الشهيرتين: "لا تستودع امرأة أسرارك" و"لا تستودع كاتباً أسرارك" لتكون العبارة الجديدة: "امرأة كاتبة: امسح كلمة (سر) من كل قواميس الدنيا"!
كانت الاستقالة مفاجئة وقبولها تم بسرعة تثير الاستغراب، فلم يجر الرئيس أية تحقيقات تكشف ما إذا كان الرجل مغرراً به، أو به تلبس "اسم الله علينا"، أو أنه تزوج الكاتبة زواج "سيرة وانفضحت" حين كان وحيداً في أفغانستان! لكنها كشفت بعد المسافة بين المحللين العرب وفهم السياسة الأميركية؛ حيث فسرها بعضهم الأبعض بأن "أوباما" يريد بدء عهده الجديد بالتخلص من رموز العهد القديم؛ ناظرين بعين واقعهم، إذ لا يستقيل مسؤول من منصبه مهما كان حجم الخطأ في عمله، فكيف والخطأ نزوة عابرة في سلوك شخصي خارج نطاق العمل؟ كانت الحكمة "اليعربية" تقتضي سترها حفاظاً على سمعة الجهاز الذي هو الأهم في نظر بعض أنظمة "الممانعة"!
أما أن يستقيل مدير مؤسسة الـ(ببسي) الإعلامية البريطانية بعد (55) يوماً فقط على استلامه المنصب، فهذا ما يقع خارج حدود المنطق لدى بعض ديناصورات الإعلام العربي! ولولا أن الـ(ببسي) نفسها هي التي بثت الخبر لما صدقوه ولا نشروه؛ حفاظاً على سمعتهم "هم" ومصداقية وسائلهم الإعلامية؛ حيث عزت المحطة المحترمة الاستقالة إلى ورود اتهام خاطئ لأحد المسؤولين في تقرير سريع في أحد البرامج، فماذا تقول بعض "ديناصورات" إعلامنا ومنهجها قائم أساساً على الكذب والتزييف، وكيل التهم بالباطل لمن يخالفها تعده عملاً وطنياً شريفاً، بل وخدمة دينية ترقى إلى الجهاد المقدس كخبر إجازة (3000) يهودي من مركزي التجارة 2001م الذي انفردت به قناة "منار حزب الله"!
ولعلكنكم تذكرون أنها ليست المرة الأولى التي يستقيل فيها مسؤول من هذه المحطة؛ منذ استقال نائبها عام 2003م بعد انتهاء الضربة الأميركية للعراق، وكانت قد نشرت خبراً عن عالم نووي انتحر فيما بعد: يفيد بوجود أسلحة دمار شامل، وهي الكذبة التي اعترف بها الرئيس الأميركي "جورج بوش" وأقال مدير "الدبابيس" آنذاك، كما اعترف بها وزير الخارجية "كولن باول" وأنهى حياته الدبلوماسية مع نهاية الفترة البوشية الأولى تكفيراً عنها!
وتذكرون أيضاً فضيحة إمبراطور الإعلام البريطاني "مردوك" في الصيف الماضي؛ حيث أعلنت بعض الديناصورات العربية ـ دون خجل ـ تمردكها معه، لأن التنصت ليس جريمة بل ولا خطأ مهنياً في ثقافتنا الإعلامية العريقة، بينما هو ـ هنااااك بعييييد ـ كارثة دمرت تاريخ (179)عاماً هو عمر صحيفة "العالم اليوم" البريطانية، قبل أن يعترف "مردوك" نفسه بالخطأ ويستقيل حفاظاً على ماتبقى من سمعة إمبراطوريته!
استقالة المسؤول هي مؤشر إحساسه بحجم الأمانة المنوطة به؛ فعند أية نقطة تجده في ثقافتنا اليعربية؟!