منذ عام 1370، والمسجد النبوي الشريف يشهد اهتماما وعناية، جعلت فيه مهابة روحانية تعبق في المكان، وعمارة إسلامية تخطف أبصار كل المسلين من أصقاع كل الدنيا.

قصة توسعة المسجد النبوي الشريف في عهد الدولة السعودية لم تكن حديثة العهد، فقد كان للمؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- يرحمه الله- السبق في ذلك، حينما لمس تزايد أعداد المسلمين الذين يقصدون الديار المقدسة لأداء مناسك الحج وزيارة المسجد النبوي الشريف الذي بات يضيق بزواره وهذا ما جعل المؤسس يرحمه الله يذيع للعالم الإسلامي بيانا أعلن فيه اعتزامه تنفيذ مشروع توسعة الحرمين الشريفين بدءا بالمسجد النبوي الشريف التي تعتبر أكبر توسعة آنذاك إذ بلغت المساحة الإجمالية للعمارة 12271 مترا، حيث بدأت أعمال المشروع في الـ 5 من شوال 1370 وانتهى العمل منه في عام 1375.

ورغم ذلك فقد ضاق المسجد النبوي الشريف بالمصلين فتم هدم العقارات الواقعة شمال وغرب الحرم عام 1393 في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز- يرحمه الله- وجعل عليها مظلات لحماية المصلين من حر الشمس، محاطة بسور، وتم تبليطها بالرخام وإنارتها وتهويتها، وفي عهد الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله جرى هدم جزء آخر من البيوت غرب المظلات، بمساحة قدرها 32401م وذلك عامي 1398 /1399 وأضيفت مظلات بنفس التصميم.

وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز- يرحمه الله- جرت توسعة كبرى للمسجد النبوي الشريف وطور من نظام المنطقة المركزية وربطها بشكل مناسب مع بقية أجزاء المدينة المنورة، وجعل المسجد النبوي الشريف يمثل في توسعته الجديدة قلب المخطط التنظيمي الشامل الذي تم وضعه للمنطقة المركزية ضمن الطريق الدائري الأول وتم وضع التصاميم وإعداد المخططات اللازمة لنقل هذه الفكرة إلى حيز التنفيذ.

وفي شهر صفر من عام 1405 قام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد- يرحمه الله- بوضع حجر الأساس لأكبر توسعة في تاريخ المسجد النبوي الشريف، وفي شهر محرم من عام 1406 للهجرة بدأ العمل فعليا في مشروع توسعة وعمارة المسجد النبوي الشريف.

وكان من البديهي أن يتم تأمين المساحة اللازمة لهذا المشروع الكبير فتم نزع ملكية ما يزيد عن 100 ألف متر مربع من ملكيات الأراضي المجاورة للمسجد النبوي الشريف التي كانت تشغلها بعض المباني العالية وغيرها من المباني العادية والشعبية إضافة إلى بعض المساحات الخالية، وتم تعويض أصحاب هذه الملكيات تعويضا كاملا، فيما شمل المشروع في عهده إضافة مبنى جديد بمساحة 82 ألف متر مربع يحيط ويتصل بمبنى التوسعة السعودية الأولى من المسجد النبوي الشريف من النواحي الثلاث الشمالية والشرقية والغربية.

وبإضافة تلك المساحة الجديدة تصبح المساحة الإجمالية للدور الأرضي الرئيسي للمسجد النبوي الشريف بما في ذلك مساحة مبنى التوسعة السعودية الأولى وما قبلها من توسعات حوالي 98 ألفا و500 متر مربع ويتسع الدور الأرضي الرئيسي للمسجد النبوي الشريف بعد التوسعة الجديدة لحوالي 178 ألف مصل، كما يستفاد أيضا من سطح التوسعة الجديدة للصلاة بمساحة 58.250 مترا مربعا مهيأ للصلاة يتسع لحوالي 90 ألف مصل وبذلك يتسع المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة الجديدة لحوالي 268 ألف مصل، وباستخدام ساحات المسجد النبوي الشريف الخارجية المحيطة به كمناطق للصلاة يكون المسجد قادراً على استيعاب ما يزيد على 698 ألف مصل في الفترات العادية، أما في أوقات الذروة كموسم الحج وشهر رمضان المبارك فإن المسجد النبوي الشريف قادرعلى استيعاب ما يقارب المليون مصل.

وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز صدر أمره الكريم في عام 1426، باستكمال الأعمال المتبقية من مشروع توسعة المسجد النبوي الشريف ويشتمل المشروع على تركيب 182 مظلة تغطي جميع مساحات المسجد وذلك لوقاية المصلين من حر الشمس ومخاطر الأمطار وتكون المظلات مجهزة بأنظمة لتصريف السيول وبالإنارة وتفتح آليا عند الحاجة، وتغطي المظلة الواحدة 576 مترا مربعا وسوف يستفيد منها عند انتهائها أكثر من 200 ألف مصل، إضافة إلى تنفيذ الساحة الشرقية للمسجد النبوي الشريف وتبلغ مساحتها 37 ألف متر مربع وتستوعب عند انتهائها أكثر من 70 ألف مصل وستنفذ تحتها مواقف للسيارات والحافلات تستوعب أربعمئة وعشرين سيارة وسبعين حافلة كبيرة، كما تشتمل الأعمال المنفذة على تنفيذ دورات مياه مخصص معظمها للنساء ومواقف مخصصة لتحميل وإنزال الركاب من الحافلات والسيارات، إضافة إلى تنفيذ مداخل ومخارج مواقف السيارات بالمسجد النبوي، ويشتمل ذلك تنفيذ 3 أنفاق لربط مواقف السيارات بطريق الملك فيصل، الدائري الأول.

وأخيرا، يأتي أمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتنفيذ توسعة كبرى للحرم النبوي الشريف لتستوعب نحو 1.6 مليون مصل ليؤكد اهتمام الدولة السعودية بكل ما يخدم الإسلام والمسلمين وزوار الحرمين الشريفين بما فيها مسجد رسول الله صلى عليه وسلم.