ظاهرة استشرت في مجتمعنا فقط، لا يمكن أن تراها في دول الجوار ولا في دول ما وراء البحار، هكذا نحن اعتدنا على التفرد في كل شيء، بتنا نسجل حضورا لافتا وغريبا وفي أحيان كثيرة أعجز عن إدراك واستيعاب العلة فيما نحن عليه وإن كان هناك شبه إجماع أن معظم العلل سببها الفساد وضياع الذمة عند البعض.

ما أود الحديث عنه اليوم هو مشهد بات مألوفا لدينا، بل هو مشهد مستفز لنا كونه يأتي على حساب خدمة يفترض أن نحظى بها ويحظى بها المقيم والزائر، والحاج والمعتمر.

المشهد يتلخص في العمالة المناط بها نظافة الشوارع والأحياء، معظمهم تركوا مهامهم وانشغلوا بالتسول وبجمع ما يمكن إعادة بيعه من القمامة ومخلفات البناء.

هؤلاء أصبحوا متسولين محترفين بلباس البلديات، وهم منتشرون في كل المواقع وفي كل المدن وفي كل الأماكن المهمة بما فيها الحرم المكي والمشاعر المقدسة، لقد تركوا مهنتهم وأصبح همهم التحديق في الناس لاستعطافهم مع ترديد عبارة (سلام عليكم) حتى وإن كنت أنت الماشي وهم الواقفون وأنت الراكب وهم الماشون وأنت الواقف وهم القاعدون، فهم يبادرون بإلقاء السلام بطريقة لا يمكن أن تفهم منها إلا التسول!

ظاهرة مزعجة، وأخطر ما فيها أن مسؤولا في إحدى البلديات قال لي هؤلاء يمارسون مهنة التسول بطريقة شبه منظمة ولا أستبعد أنهم يدفعون رشاوى للمسؤولين عنهم في الميدان من أبناء جلدتهم مقابل حصولهم على امتيازات معينة ومن ذلك وضعهم في أماكن تشهد ازدحاما كثيرا أو أن يكون المتبرعون لهم أكثر حضورا وكرما في هذا المكان من ذاك المكان.

ويستشهد المسؤول البلدي قائلا: فمن يسمح له بالتنظيف عند إشارات المرور أفضل ممن يسمح له بالتنظيف داخل الأحياء ومن يسمح له بالتنظيف عند المسجد أفضل ممن يسمح له بالتنظيف عند مدرسة ابتدائية مثلا، وكذا من يسمح له بالتنظيف عند سوق الفاكهة والخضار وعند المجمعات التجارية وعند الأماكن التي ترتادها النساء بكثرة ليس كمن يسمح له بالتنظيف في مواقع أقل أهمية وحضورا من قبل المتبرعين.

وأقول هنا كلمة (التنظيف) تجاوزا وإلا فهم فعليا هم يتسولون، بينما الشوارع والأحياء مليئة بالأوساخ، فضلا عن أن الكثير منهم يفرزون النفايات ليأخذوا ما يمكن تدويره وبالتالي بيعه ويتركون لنا ما ليس لهم فيه مصلحة.

أتمنى على وزير الشؤون البلدية والقروية أن يهتم بهذا الموضوع الفاضح والمؤذي وأن تسن قوانين تعاقب هذه العمالة في حال ثبوت تسولهم بشكل غير مباشر خاصة لمن يعملون داخل الحرم المكي وخارجه وفي المشاعر المقدسة، ليتفرغ هؤلاء للقيام بالعمل المناط بهم بدلا من التوقف عن العمل والتفرغ للنظر في وجوه الناس وإلقاء السلام عليهم بهدف التسول غير المباشر.

وإن قال البعض إن هؤلاء بحاجة لمساعدات وصدقات كون رواتبهم قليلة فينبغي أن تتدخل الوزارة ليحصلوا على رواتب تغنيهم عن التسول الذي يأتي على حساب خدمة مهمة للغاية، وربما على حساب سمعة بلد يقصده الملايين من الضيوف والزوار فضلا عن الحجاج والمعتمرين!

وللحديث بقية.