كثير منا يشتكي من رتابة الحياة ومللها وكثرة صراعات الحياة نحو كرامتها المأمولة. وكلما تأملنا حياتنا المتسارعة وأزماتنا المتعددة المحفوفة بممارستنا التي نقلتنا إلى غياهب الحياة المادية الزائفة بكل معانيها وأثرت نتائجها علينا وعلى صحتنا وقوالب تفكيرنا جمودا واحتقانا، فإيقاع الحياة وما يفرزه من أعباء متنوعة سواء اجتماعية أو اقتصادية أو مهنية أو حتى عاطفية أورثت جميعها أنواعا من الكآبة والقلق والاحتقان وقد تصل إلى أمراض (نفسجسمية).

مجتمعنا أصبح جزءا من طقوسه، قيود للتفاؤل هنا وهناك مع تنفس بعدم الرضا كيفما اتفق، وبلمحة سريعة في وداع عامنا 1433 الأكثر تداعيات وحدية، قيسوا درجات الحرارة والضغط لدى اجتماعاتنا ومجالسنا وأحاديثنا لنجد الناتج احتقانا حد العبث يسيطر عليه الكدر والنظرة السوداوية والقلق من المستقبل بكل آهات الشكوى والزفرات الحرّى.

انظروا ماذا يكتسي الملامح والوجوه عند إشارات المرور؟ وإصابات في حقوق الآخر في مهارات تواصله بدءا من الشوارع حتى الأنفس بالأنانية والتحدي وخصام مبين!، أصبح مجتمعنا يتنافس اطرادا مع انخفاض سوق المال بارتفاع لنسب السكر والضغط وأمراضهما، الحسد والحقد وتصفية الحسابات والشخصنة في القرار.. ومنعطفات أخرى هناك، نلمس بعضا منها في التراشق وهجوم الألفاظ بين من (يعتقدون) أسفا أنهم قادة للرأي من دعاة ومثقفين.. ومشاغبات وأحداث وتطاولات بين الحين والآخر عرّتها مواقع التواصل الجديد وأصّلتها!.

اقرؤوا صحف ومواقع (السواد) الإلكترونية المتشعبة في جعل الجرائم والأخبار والمصائد السوداء ديدنا لها بقاعدة (تسلقية) اجتماعية وببرجماتية (ما تكسب به العب به)، حتى غدا مجتمعنا لا يطارد اقتناصا سوى تلك الأخبار كسوق رائج له ولمجالسه واجتماعاته دون انتباه للرسائل السلبية التي تملأنا حد الضجيج في الصحو والمنام!.

المهارات التواصلية لم تعد، فمن مواضع قواعد ذهبية ورثناها كانت ديدنا لمجتمعاتنا من الترحيب والاهتمام وحميمية اللقاء من تحية، وابتسامة، تحولت إلى كدر بغيض يبدأ بالحديث عن الناس بالغيبة والنميمة وتتبع العورات بقصد إظهار العيوب وقد لا يبحث عن غيرها ولا يبصر سواها مما يجعلنا نعيد النظر في ذواتنا وماذا حل بها؟ وإلى أين سنصل بذلك؟ وهل أصبح لاوعينا وخرائطنا الذهنية يفترقها التشاؤم والكدر والقلق، أعتقد ذلك، رغم أننا هنا لا نساوم أبدا بوجود قصور ملموس في كل اتجاهاتنا وحياتنا والخدمات المقدمة لنا والتي نعيش على أمل تحسينها سنين عددا، لكن هذا لا يشفع أن نقف مستسلمين نحو ممارساتنا بجلد الذات والقلق والاحتقان ليخرجنا ذلك إلى دهاليز من الشكوى والنقد في الغداة والآصال!.

عالم المستقبليات الأميركي ألفن توفلر في كتابه "صدمة المستقبل" يرى: "أن أكثر الأفراد قدرة على التكيف هم أولئك الذين يستجيبون لزمانهم ويعيشونه حقا ويحسون بشوق وحنين للمستقبل ليس قبولا واستسلاما لكل أهوال الغد ولا إيمانا أعمى بالتغير من أجل التغيير بحد ذاته وإنما فضول قوي واندفاع نحو معرفة ماذا سيحدث في المستقبل؟ فكلما كان التفكير في المستقبل بموضوعية أكثر كان الواقع أكثر راحة وتأكيدا لمشاعر صورة انخفاض مستوى الشعور بالاطمئنان والتوازن، ويتخذ قلق المستقبل (future anxiety) بالأمن والطمأنينة وهذه الصورة واضحة جدا في عصرنا هذا"

الإنسان بطبعه يسير نحو البحث عن الحياة الكريمة والاستقرار، لكن تبقى لنا قرارات الالتزام الشخصية، بفهم توازننا وأهدافنا فهما جيدا ومراجعة أنفسنا في تناغم مع قيم الفكر والعاطفة والجسد والروح نحو الحياة التي نعيشها لتمدنا بطاقة تسهل علينا مراجعة النفس من أجل صنع أهداف جديدة بوقود متجدد يحملنا نحو الرضا في حياتنا، نحو تطويرنا، وبناء مستقبل أجيالنا للبدء في مرحلة تحمل بين دفتيها الرضا والاستقلالية والفائدة، تلك هي المتعة الحقيقية في الحياة التي نحياها لتحقيق غاية ندركها وتبلغ من أنفسنا مبلغا، وكما يقول آرثر كريستوفر: "إعادة تعديل مساراتنا أمر شاق، ولكن معظمنا في حاجة إلى القيام بذلك من آن إلى آخر".

نظرة الرضا تبرز لنا الجانب المشرق، ونظرة السخط توضح الجانب المظلم كذلك، والتوازن بينهما مطلب خاصة بتركيز النظر في كل المحاسن وتحبيرها في النفس، حتى نكون أكثر تفاؤلا وبالتالي أفضل صحة وحياة في استقبالنا لعام جديد، فدمتم بمحبة وفرح وتفاؤل وكل عام وأنتم ووطننا بخير.