بعيدا عن تشاؤم إخوتنا في اليابان من الرقم رقم 4، والتي تقول الروايات بأن نطق الرقم لديهم قريب من نطق كلمة الموت، وهو الأمر الذي يدعوهم للهرب منه والتشاؤم والخوف، وعدم منح هذا الرقم لغرف المستشفيات أو الفنادق.. فقد حدث ذات ظهر، والشمس تملأ كل فراغات الرياض، والسيارات تعبئ كل شوارعها، والمرور في "قيلولة".. قررت وعدد من الزملاء كسر روتين اليوم، من خلال اختيار مطعم خارجي يلم عددنا الكبير، ويشبع رغبات التغيير الساكنة بنا، حتى وقع الإجماع على ذلك المطعم المصري، المشهور بتقديم "الحمام المحشي"، وهو الطلب الذي حظي برغبة عدد من المتزوجين.
سريعا، وصلنا.. وانتثرنا في فضاءات المطعم، وجلبنا له الربكة بعددنا، حتى بات أشبه بالمكتظ بالزبائن.. وهذا حقيقي من حيث الاكتفاء العددي، وغير حقيقي من جانب عدم التنوع.. بدأت قوائم الطعام تلف علينا، وبدأ "خبراء" الأكل بتوزيع النصائح للاختيار، وقدمت عروض المشاركة، وسمى كل واحد منا ما يريد، سوى واحد منا فقد اكتفى بقول: "الطلب رقم 4"!.
تماما كفضولك الآن عزيزي القارئ، حدث لنا ونحن نسمع هذا الطلب، فكلنا يريد معرفته ومعرفة أسراره وتفاصيله.. غيبت مسيرة الأحاديث فضول الـ(4)، وغرقنا في أحاديث العمل غير المنتهية، وبأشياء أخرى.. وعاد الترقب يتلحفنا مجددا منذ بدأت الأطباق بالتوافد على طاولة الأكل، فالكل ينظر لزميلنا صاحب الطبق رقم 4 ليعرف سره.. وبمجرد وصول الطبق المميز، اكتشفنا وقتها أنه لم يكن سوى طلب عادي كأطباقنا!.
ما الذي حدث؟ ولمَ كل هذا الضجيج! الأمر باختصار، لم يكلف أحدنا نفسه بالنظر في قائمة المأكولات، ويتحقق من قصة الرقم، ويقرأ تفاصيل الطلب، ويحل لغز الحيرة.. ويريح فضولنا!. ولمَ أكتب اليوم عن هذا؟ فقط.. لأن حياتنا أصبحت "متمركزة" على متابعة الأشياء دون تحقق، ومطاردة الفضول دون تفكير، واستخدام ثقافة "الدرعمة" في كل شؤون الحياة!.. والسلام.