ملايين شغلتهم انتخابات الولايات المتحدة الأميركية، وبعيداً قدر الإمكان عن السياسة، وقريباً من الثقافة والفكر سأحصر مقالي في الرئيس أوباما (الكاتب) من خلال تلخيص مراجعات كتبت عن أشهر مؤلفاته؛ الأول هو Dreams from My Father.. A Story of Race and Inheritance "أحلام من أبى.. قصة عرق وإرث" كتاب روى فيه الرئيس أوباما قصة حياته، وكيف شق طريقه بعرق جبينه، منوهاً إلى أنه بدأ في كتابته للكتاب وهو يطلب العلم في كلية الحقوق، وأنه نوى جمع مقالاته السياسية والقانونية والحقوق المدنية وإصلاح المجتمع وتحقيق المساواة والقضاء على العنصرية في كتاب، وعندما بدأ وجد عقله ووجدانه ينجرفان نحو شواطئ أخرى بعيدة، أكثر اشتياقاً واضطراباً على حد تعبيره، حيث تذكر أمه، وصوت جدته تصف له ولشقيقته والدهما الذي لم يعرفه حق المعرفة، وأخذ يصف رحلته الإنسانية كطفل يبحث عن أبيه الغائب، وحياته كطفل في جزيرة هاواي، وذكرياته ومغامراته وشقاوته في إندونيسيا، وحياته العاطفية ومشاعره، ومرحلة شبابه التي كان يبحث فيها عن مستقبل لوطن يعشقه، ثم عمله كمحامٍ يحاول أن يحقق العدالة بالمساواة والقضاء على العنصرية..
الكتاب الثاني للرئيس أوباما هو The Audacity of Hope "جرأة الأمل"؛ الذي أعلن بعد أقل من ثلاثة أشهر من إصداره ترشحه للفترة الرئاسية الأولى، وعرض فيه أفكاره حول الكثير من القضايا التي أصبحت لاحقاً محور حملته الانتخابية الأولى، وهو كتاب أفكار، عبر فيه عن عمق فكري وثقافة رصينة وآراء متميزة في السياسة الداخلية والخارجية، وأظهر جرأته وصراحته في نقده لأخطاء السياسات الأميركية منذ نشأة الولايات المتحدة، ولم يكتف بتأثير الخطأ بل اقترح الحلول؛ وهذه ميزة مهمة.
الكتاب الجديد الأخير للرئيس أوباما ـ وهو كتاب في غاية الأهمية ـ اسمه Fool Me Twice "اخدعني مرتين".. جسد فيه فكره للمرحلة المقبلة، وعرض برنامجه وجدول أعماله للسنوات الأربع المقبلة من الفترة الرئاسية الثانية؛ معتبراً أن من أهدافه الرئيسة التقدمية نقل الثروة الأميركية إلى العالم الثالث وبلدانه النامية، وأنه سيستخدم العسكرية الأميركية لتحقيق ذلك. الكتاب تضمن فيما تضمن مخططا عاما لاعتبار تغير المناخ أحد الاعتبارات الرئيسية في تخطيط التنمية العالمية والاستراتيجيات الأمنية، ومخططا عاما آخر لاستخدام ما يسمى "بالأجندة الخضراء"؛ وفقا لدراسة متعمقة جعلت من ظاهرة تغير المناخ سببا وراء العديد من الأحداث العالمية المتنوعة مثل الربيع العربي والهجرات الجماعية، عنوانها "تغير المناخ والهجرة، والصراع". قراءة هذا الكتاب مهمة ليس فقط للساسة في عالمنا العربي سواء كانوا في السلطة أو كانوا في المعارضة، وإنما أيضا مهمة لرجال الإعلام كافة وللمثقفين ولقادة الرأي لكي يعرفوا التوجهات القادمة لقائد الولايات المتحدة الأميركية؛ القطب الأوحد الذي يدير بصورة أو بأخرى سياسة العالم. بطبيعة الحال ينبغي عدم المبالغة في آمالنا وتوقعاتنا فيما سيحققه فخامة الرئيس باراك حسين أوباما بعد استمراره في البيت الأبيض، لأن أميركا دولة تدار من قبل مؤسسات وتتحكم فيها (لوبيات) متعددة اقتصادية وإعلامية ودينية، ولكن لا بد أن نقرر أن هناك اختلافا في الأسلوب والنهج سيحدث من أجل تحقيق أمورٍ كثيرة، ومنها إعادة الاعتبار لصورة أميركا، وتخفيف حالة العداء المتصاعدة تجاهها.. على المستوى الشخصي أريد من (أوباما الجديد) أن يتفهم الإسلام والمسلمين، وأن يوقف التحيز للأعداء؛ وأريده حياديا، متمنيا لبلاده الجميلة، وشعبه النبيل كل الخير.