بدون بشت وبتأمل وتركيز واسع، وهو يضم ساعدا على ساعد، تلك أبرز وأشهر الصور التي يتم تناقلها للأمير محمد بن نايف، من النادر جدا أن تجد صورة مكتبية له، فأغلب صوره يتم التقاطها في الميدان؛ إما في حضور تدريب أو لقاء أو في زيارة ميدانية، اتسع حضور الأمير في أذهان الناس مع بداية واتساع المواجهة مع الإرهاب، ظل محمد بن نايف بعيدا عن الإعلام، وقريبا جدا من المعادلة الأضخم والأصعب وهي الأمن. في الوزارة الأضخم والأكثر التصاقا بالناس وبالحياة والمستقبل.
كل التاريخ الذي مر بوزارة الداخلية السعودية، وبما يقتضيه الإنصاف كان تاريخه متميزا واستطاع أن يعبر بالوطن كثيرا من المراحل الحرجة والأزمات الشديدة، لكن كل ذلك لا يعني أن الوزارة وكغيرها من الوزارات قادرة على الاستمرار وفق ما كانت عليه.
هذا وضع طبيعي في كل جهاز من أجهزة الدولة، فالتحولات والتحديات والمستجدات تفرض على كل وزارة أن تعيد صياغة موقفها وأدواتها بما يتوافق مع الواقع الجديد، يحدث هذا الآن في العدل وفي الإعلام وفي القضاء وفي التربية والتعليم، وبطبيعة الحال في وزارة الداخلية.
محمد بن نايف ليس طارئا على وزارة الداخلية، بل لقد أمضى شطرا مهما من حياته بين أروقتها، وفي كنف الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز، القدرات التي أبداها الأمير محمد جعلته رقما مهما في معادلة الأمن الوطني السعودي فتولى إدارة أعقد وأصعب الملفات والتي على رأسها ملف الإرهاب.
ظل الأمير محمد بن نايف نجما أمنيا حتى عام 2009 إذ تحول إلى نجم جماهيري بعد أن تفاعل العالم بأكمله مع محاولة الاغتيال التي تعرض لها في جدة، كانت محاولة تدل على أنه تحول إلى مشكلة بحد ذاته بالنسبة لكل خلايا الإرهاب وداعميه سواء في الداخل أو في الخارج، كانت العملية تحوي نفسا استخباراتيا لكنها بالمجمل تؤكد حجم الانتصارات التي حققها الأمير في تلك المواجهة.
إنما من غير المنطقي أن يتم حصر كل التجربة في هذا الملف، لأن التعامل مع قضايا الإرهاب بكل تأكيد أنه يفتح الباب واسعا للتعرف على قضايا وإشكالات كبرى، من أبرزها قضايا الحدود والتهريب وقضايا الفساد والتمويل، وكلها جوانب استطاعت الداخلية فيما مضى أن تحيط بها وأن تكتشف كثيرا من الأخطاء وأن تكتشف أيضا الطريقة الأنسب للتعامل معها.
مثلا تمثل قضايا الحدود أحد أبرز الملفات على طاولة سمو الوزير، وحين نتذكر المواجهة التي شهدتها الحدود الجنوبية لردع المتسللين ندرك أن ملف الحدود كان أبرز عوامل قيام تلك المواجهة، وهو ملف شائك على مستوى التداخل السكاني وعلى مستوى ضبط أفراد عناصر الحدود وتخليص هذا الجهاز وغيره من الأجهزة من كل الأخطاء التي قد تمثل ثغرات واضحة.
في ملف الإرهاب، مثل التمويل عنصرا مهما في نشاط التنظيمات الإرهابية، والكثير من أنشطة جمع التبرعات الخيرية لم تكن كذلك، وهو ما جعل الوزارة في مواجهة دقيقة استلزمت فرزا دقيقا بين ما هو إيجابي خيري، وبين ما يمثل مصدرا لتمويل بعض الخلايا والشخصيات المتشددة.
من كل ذلك كان محمد بن نايف قريبا جدا، إذن فنحن أمام وزير جديد لكنه في ذات الوقت يمتلك إجابات عن كل الأسئلة التي تخص وزارته ويمتلك رصيدا وافيا من المعرفة والاطلاع على كل ما تحتاج إليه الوزارة وما هي بصدده من قضايا وملفات.
إن الواقع الجديد يفرض أدوارا جديدة، ولذا فإن من المنطقي جدا القول إن الدور الأمني لوزارة الداخلية ليس سوى واحد من أدوارها التي تتنافس مع مهام وأدوار أخرى، لا تتوقف عند حدود حفظ الأمن وإنما تتجاوز ذلك إلى صناعته وإشراك الناس فيه.
كل مرحلة تصنع بذاتها حزمة من الملفات الجديدة التي تحث الوزارة على المراجعة المستمرة وعمليات التحديث المتواصلة.
ما مدى الرضا الشعبي عن واقع المؤسسات الأمنية؟ هذا سؤال لا بد وأن يشغل هاجس الأمير الوزير على مستوى خدمات المرور والأمن والدفاع المدني بل والأحوال المدنية، ولدى الوزارة مشروع خاص لتطوير المقرات الأمنية يفترض به أن يمثل نقلة تنهي واقع المباني المستأجرة التي تستخدمها كثير من مراكز الشرطة.
وزارة الداخلية هي وزارة الناس، وبالتالي فهي تعمل من أجلهم، وأتصور أن كثيرا من الناس لديهم ما يقولونه لها، وفي الوسائل الإعلامية الجديدة الكثير من الفرص التي يجب استغلالها، سأكون سعيدا للغاية إذا ما وجدت أن مواطنا يتحدث عن قصته مع حساب مكتب وزير الداخلية على تويتر، مثلا.