يلجأ بعض الكتاب ـ وأنا منهم ـ لكتابة بعض المواضيع المهمة والهادفة إلا أنهم لا ينشرونها لأسبابهم ويلجأ البعض الآخر ـ وأيضاً أنا منهم ـ لكتابة بعض المواضيع لنشرها في وقتها أو في ظل ظروف خاصة تمر على الكاتب لا يستطيع فيها كتابة مقالته الأسبوعية أو اليومية. ومقالتي اليوم هي من مخزون المواضيع الهادفة التي كانت تبحث عن الوقت المناسب لنشرها إلا أنه وللأسف تقدم على الوقت المناسب الظرف الطارئ الذي منعني من الكتابة مؤقتاً وقد تطول لأسابيع مما دفعني لنشر بعض من مخزون المواضيع الهادفة فيلسمح لي أخي وأختي القارئة.
وموضوعي الذي أنشره اليوم هو موضوع أتمنى ألا يساء فهمه أو تفسيره وإنما هو موضوع هادف يركز على استقرار أمن وأمان وطننا الغالي سواء في المملكة العربية السعودية ودول الخليج بصفة عامة، وهو موضوع يرتبط بوضع بعض إخواننا من الجاليات الإسلامية التي استضافتها قيادة المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس - طيب الله ثراه - حتى عصر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - أطال الله في عمره - ورعتها أحسن رعاية ومنحتها حقوق المقيم الكاملة أسوة بالمواطنين من تعليم وصحة وخدمات، وأتاحت لها فرص العمل تقديرا لظروفهم الصعبة والقاهرة التي دعتهم للهجرة من بلادهم إلى المملكة هروباً من اضطهاد المحتل الإسرائيلي لفلسطين أو ظلم الحكم العسكري الجائر في (مينمار) بورما، بالإضافة إلى إخواننا المهاجرين من اليمن هربا من الفقر. ومن سورية لسوء معاملة وظلم الحاكم الجائر المضطهد لرجال الدين، ومن بعض إخواننا من الدول الأفريقية عاشوا في المملكة عشرات السنين وتزاوجوا من بعضهم وأنجبوا وكان نموهم السكاني سريعا وعمل بعضهم في أعمال تجارية ومهنية بصرف النظر عن نظامية العمل وعمل الآخرون في مجال الوظيفة في القطاعين العام والخاص فأسهموا في التنمية في بلادنا سواء تنمية عمرانية أو صناعية أو خدمية، وعلى وجه الخصوص إخواننا من الجالية الفلسطينية صاحبة الدور المتميز في التنمية الكبرى في بناء دول الخليج منذ بداية التأسيس، فرأيناهم أساتذة في المدارس ودكاترة في الجامعات ومديرين لبنوك ومديرين لمصانع وأطباء ومهندسين كما رأيناهم مطورين عقاريين ساهموا في التنمية العقارية، وكثيراً من دول الخليج بناها فلسطينيون وعلى وجه الخصوص مدينة جدة في بداية النهضة العمرانية، واليوم وبعد خمسين عاما من الإقامة في المملكة وجدنا منهم رجالا ونساء لا يعرفون وطناً غير المملكة ولا يستطعمون الرزق إلا في هذا الوطن، ولم يروا أمانا واستقرارا إلا في المملكة، بعد هذا العمر الطويل نطالبهم عن طريق برامج نطاقات بالتوقف عن العمل بطريقة غير مباشرة وترصدهم فرق التفتيش في الأسواق والمصانع والورش للخروج من العمل لحسابهم الخاص، ورغم أنني مع جميع السياسات والخطط التي تضعها الحكومة السعودية لتوظيف الشباب السعودي سواء عن طريق الإحلال أو خلق فرص عمل جديدة عن طريق دعم وتشجيع إنشاء المشاريع الجديدة أو عن طريق دعم وتشجيع العمل للحساب الخاص ودعمه بالقروض الميسرة والتسهيلات، وأشيد بدور صندوق الموارد البشرية ودعمه للقطاع الخاص لتوظيف السعوديين.
وأنا مؤيد كل التأييد سياسات الدولة وخططها في خفض نسب الاستقدام وخفض نسب البطالة، إلا أنني في الجانب الآخر أطرح قضية في منتهى الأهمية لأمن وسلامة واستقرار الوطن وقضية إنسانية تحتاج إلى نظرة إنسانية لجالية مسلمة أقامت في المملكة منذ حوالي خمسين عاما يطلب منها اليوم الخروج من أعمالها ويمنع أبناؤها من العمل بحجة أن المهنة في إقاماتهم طالب على كفالة والده المقيم، حتى بعد تخرجه يصعب تغيير المهنة ليعمل. أما اليوم فالعملية أكثر تعقيدا حيث إن العمل ممنوع عليهم والعمل لحسابهم الخاص أيضا ممنوع، وهذا سيدفع بحوالي مليوني مقيم في أنحاء المملكة لا وطن لهم ليعودوا إليه، وعلى وجه الخصوص إخواننا من الجالية الفلسطينية وإخواننا من الجالية البرماوية وبعض إخواننا الأفارقة من الصومال وغيرها إلى البطالة، ومن وجهة نظري أن بطالة العمالة الأجنبية كارثة أكثر من بطالة العمالة السعودية.
وإذا جاز لي طرح بعض الحلول أو الاقتراحات فإنني سأقترح وقف الاستقدام بالكامل للتخصصات التي بالإمكان توفيرها من إخواننا من العمالة الفلسطينية والبرماوية والأخرى المقيمة وعلى الشركات والمؤسسات العمل على إعادة تأهيلهم حسب التخصصات التي يحتاجونها، أما الاقتراح الثاني هو السماح لإخواننا من العمالة الأجنبية المقيمة للعمل في المدن الاقتصادية الجديدة في المناطق النائية، والاقتراح الثالث توجيه إخواننا من الجالية الأجنبية المقيمة لتوجيه أبنائها لتعلم التخصصات التي تحتاجها المملكة للخمسين سنة القادمة مثل دراسة الطب بأنواعه والهندسة والتخصصات الدقيقة، وإذا كان بالإمكان السماح لهم بتراخيص مؤسسات إنتاجية صناعية لصناعات تنتج منتجات مستوردة.
إن ظروف بعض الجاليات المسلمة المقيمة في المملكة منذ عشرات السنين سيئة جدا ولا أمل في عودتهم لأوطانهم، إما لعدم انتمائهم لها إلا بالاسم أو لمنع المحتلين المعتدين رجوعهم مثل حالة إخواننا الفلسطينيين ونحن في الحقيقة أمام معادلة صعبة تحتاج إلى حلول تجمع بين الجانب الإنساني والإسلامي والعربي والاقتصادي ولو يؤخذ برأيي المتواضع لتمنيت على الدول العربية أن تعيد النظر في قرار الجامعة العربية الخاص بمنع تجنيس إخواننا الفلسطينيين المهاجرين إلى الدول العربية خوفا من ضياع الهوية الفلسطينية مؤكدا لهم بأن الجيل الثاني والثالث والرابع من إخواننا الفلسطينيين المهاجرين قد يرفضون العودة لو عرضت عليهم وهم في الأوطان التي هاجروا لها مخلصين أوفياء لقياداتها وشعبها فهل تجد اقتراحاتي اليوم من يتبنى بعضها.