عقب انتخاب باراك أوباما للمرة الأولى رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في 2008م، توقع الكثيرون في منطقة الشرق الأوسط أن يتم إنصافهم بتعديل كفة الميزان الأميركي، التي كانت تميل إلى إسرائيل وأمنها دائماً خلال الحقب الماضية، خصوصاً أن أوباما أرسل إشارات بذلك خلال خطابه الأول الذي وجهه للعرب والمسلمين عبر قناة العربية، إضافة إلى زيارته للسعودية، التي أشارت إلى اعترافه بأهميتها الإسلامية، وكذلك زيارته لمصر التي تؤكد دورها وأهميتها في قضايا الشرق الأوسط ومعضلاته، وكذلك من خلال تمسكه في لقائه الأول مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، بالتزام إدارته بالحل القائم على إقامة دولتين، إسرائيلية وفلسطينية، وفق مقررات مؤتمر السلام في أنابوليس قبل نهاية عام 2007.. تفاءل العرب بأن عهداً جديداً تشرع أبوابه مع انتخاب أوباما على قيم العدل والمساواة وحل القضايا العالقة في منطقة الشرق الأوسط لعقود طويلة، بسبب الانحياز الأميركي التام للجانب الإسرائيلي. وزاد التفاؤل بعد خطاب أوباما الأول للعرب والمسلمين في جامعة القاهرة، إذ أورد فيه نصاً "أميركا لن تدير ظهرها لأماني الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة وبحقوق مشروعة"، وقوله "الحل الوحيد هو إقامة دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام". لكن كل تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح، إذ لم يتغير شيء في موقف أميركا من القضايا الشائكة التي تحتضنها منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ومشروع إيران النووي، كما أن إسرائيل لم تغير من سلوكها العدواني وتنفيذ سياساتها دون الالتفات لأوباما أو حتى قرارات مجلس الأمن الدولي فيما يخص حربها على غزة في 2008م.
ولأن أميركا دولة مؤسسات وسياساتها ثابتة تصيغها دوائر حكومية متخصصة لا تتأثر بشكل كبير بشخصية الرئيس -إلا في حالات ضيقة- وما يتم رسمه من سياسات في زمن رئيس سابق يتم تنفيذه في زمن الرئيس اللاحق، بغض النظر عن الاختلافات بين الرؤساء وقناعاتهم الشخصية، خصوصاً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والعلاقات الأميركية الإسرائيلية، فإننا لم نشهد على أرض الواقع طوال السنوات الأربع الأولى التي حكم فيها أوباما أي تغيير في مواقف أميركا من قضايا الشرق الأوسط. ربما الجديد والمثير الوحيد هو حث أوباما العرب على اتخاذ خطوات لتعزيز العلاقة مع إسرائيل ضمن ما يسمى بإجراءات بناء الثقة، مثل فتح مكاتب تمثيل تجارية والسماح بالتبادل الأكاديمي والسماح للطائرات المدنية الإسرائيلية بالتحليق في أجواء الدول العربية، وهو ما تم رفضه نهائياً من قبل المملكة العربية السعودية. وعلقت هيلاري كلينتون على رفض السعودية بأنه لابد للعرب أن يتخذوا مواقف إيجابية لحل القضية الفلسطينية. أما القضايا الأساسية التي تهم العرب والخاصة بعودة اللاجئين الفلسطينيين، وقضايا المياه والأمن، والحل النهائي للحدود، والقدس، فلم تتطرق إليها إدارة أوباما طوال السنوات الأربع الماضية، بل إن إسرائيل ماضية في تنفيذ سياساتها ومخططاتها دون أن تتأثر بتغيير الرؤساء في أميركا.
فاز أوباما بفترة رئاسية جديدة، ورغم عدم التزامه بالوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية الأولى وبعدها، إلا أنني من المتفائلين بأن يحدث التغيير الذي كان عنواناً لحملة أوباما الانتخابية الأولى (Yes we can) خلال الفترة الرئاسية الحالية، إذ ليس هنالك ما يخسره في فترته الرئاسية الثانية، فهو لا يحتاج إلى حفظ التوازنات والمثول لضغوط اللوبيات، باعتبار أن القانون الأميركي لا يسمح له بالترشح لأكثر من فترتين رئاسيتين. وأعتقد أن السنوات الأربع القادمة هي الامتحان الحقيقي لمعرفة صدق دعوات أوباما وشعاراته، إن كان مؤمناً بها حقيقة.