تابع كثيرون الانتخابات الأميركية بترقب، وكأن هناك محاولة لعقد مقارنات بينها وبين ما تمّ خلال فورة "الربيع العربي"، والفرق جلي، يكفي أن الانتخابات حدثت بعد كارثة "ساندي" مباشرة، ولم تؤجلها، فهناك احترام للدستور. ورغم هذه الظروف، ففي 24 ساعة تم تصويت عشرات الملايين، وتم الفرز بكل شفافية دون تشكيك أو تزوير، وأعلنت النتيجة في الدقيقة المحددة!! ليكون أول اتصال من الخاسر "رومني" هو بأوباما لتهنئته، دون رفع قضايا، ودون تجريح أو تخوين، وليس بغريب على الأميركيين، فكلنا يتذكر الحرب الإعلامية التي كانت بين أوباما وزميلته الديموقراطية "هيلاري" خلال تجربته الأولى، حين انتصر، قدمت تهنئتها، وقدم لها منصب وزيرة الخارجية.
المهم، فاز "أوباما" مكتسحا خصمه الجمهوري، بـ"حِمار" الديموقراطيين، الذي يعتبر "أيقونة" سياسية شعبية اتخذه الحزب الديموقراطي الأميركي شعارا له منذ ما يزيد عن قرن ونصف، بينما "الفيل" هو شعار الحزب الجمهوري. وبصدق أثناء هذه المتابعة، شعرتُ للحظة بعد مراقبة عامين لوهم "الربيع العربي" حالة العرب السياسية مع المشروع الديموقراطي الذي تحول بقدرة قادر إلى "ديموقرادينية" ـ كما أطلقتُ عليه في مقالات سابقة ـ بأن العلاقة بين العرب والديموقراطية في ثقافتهم لا تختلف عن العلاقة بينهم وبين هذا "الحمار" في الثقافة نفسها!! ولا أسخر هنا، بل أتحدث بجدية، خاصة أن الذين يحكمون اليوم من بعض الجماعات الدينية بهذه المجتمعات الثائرة كانوا يوما من الأيام "يُحرمون" الديموقراطية، ويعتبرونها مشروعا غربيا ويكفرون المنادين به ويحتقرونه، لكن اللعبة اليوم تحتاج لتكتيك سياسي، وخدمتهم "أميّة الوعي" في المجتمعات العربية "العاطفية"!! هذه الأزمة أدت إلى "أدلجة الديموقراطية" فخرج منها وليد مشوه غير قادر على الإنجاب "الديموقرادينية"، وهو النموذج الذي نراه اليوم في "العراق" وقبلها في "إيران" والخوف أن يتكرر في الدول الثائرة، وكأني أرى تزاوج الحمار "الشعبوي" بالحصان "النخبوي" ليكون النتيجة "بغلا" مزدوج الصفات غير قادر على الإنجاب السياسي!! وأعتذر عن هذه القسوة، لكن أحيانا "الوعي" يحتاج إلى مواجهته بقسوة العقلانية الصادمة، فربما يبدأ "العقل العربي" بطرح الأسئلة للوصول إلى إجابات تختلف عما يتم تقديمه بنفاق مغلف بسولفان "العواطف" كما اعتادت الذهنية العربية السائدة تتلقاها!
أعتقد، أنه حين يتبدل "الوعي" إلى ما يُمكن العرب من إنصاف "حِمارهم" في ثقافتهم الشعبية، ويتحول من رمز للغباء والشتيمة، إلى رمز للصبر والتفاني والعطاء الحميم دون كلل، ودون انتظار مقابل، وتفخيم كما يفعلون مع "الحصان" المدلل، ويدركون أنه لا يقابل الإساءة بالحقد كما "الجمل"، مع التصديق بما أثبتته بعض أبحاث الغرب من كونه دقيق السمع /منصتا، وذكيا، وليس كما ترسخ في الذهنية العربية أنه غبي وبليد، حينها سيدرك "الوعي العربي" معنى "الديموقراطية" حقا، والذي يُمكنهم من ثقافة سيادة القانون لا سيادة الأفراد أو الأحزاب الدينية. ولستُ أبدا ضد الديموقراطية التي يعيشها بعض العرب أو يتوهمون أنهم يعيشونها فيما أسموه بالربيع العربي، حتى لا يفهمني بعضكم بشكل خاطئ، فأنا مع الديموقراطية وحرية الإنسان، لكني مع الوعي بمفرداتها السياسية أولا، والتي تسعى أول ما تسعى إلى حفظ حياة الإنسان كقيمة باهظة لا يمكن أن ترخص أبدا، لا إلى تشجيعه بأنانية سياسية على أن يموت كي يختطف الحرية والسلطة أناس آخرون لا يمتون لها بأي صلة.
نعلم أن أوروبا ودولها عاشت حروبا ومعارك مذهبية دامية لعقود طويلة سعيا منها إلى الديموقراطية التي يتمتعون بها الآن، وتحققت حين أدركوا أن الديموقراطية تتحقق بحفظ حياة الإنسان أولا، لهذا وصلوا إلى قوانين تحد من الثقافة الدموية التي أججتها المذهبية والعرقية، وحتما كأني أسمع الآن من يقول الديموقراطية عند العرب تمر بما مرت به أوروبا وستصل إلى ما وصلت له، وأقولها بصراحة، هذا المعيار خاطئ، لأنه يبدأ من حيث بدأ الآخرون لا من حيث انتهوا، ناهيك أنها كانت ضمن سياقات زمنية أخرى تختلف عن معطيات يومنا، ثم إن من يبرر ذلك يبدو أنه يتناسى أن الثورات العربية ليست وليدة "الربيع العربي"! ولم تكن أولها ثورة "الياسمين" في تونس، فالعرب عرفوا الثورات وبدموية قاسية منذ عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، واستمرت في الدولة الأموية والعباسية ومختلف العصور وصولا إلى القرن الماضي حين برزت ثورات العسكر التي أفرزت دكتاتوريات هجينة تحت مسمى "جمهوريات" أشبه بالملكية، وهو ما حصل في مصر وفي إيران كأمثلة!! فلماذا لم يستفد العرب من ثوراتهم وأخطائها! لماذا يجترون التاريخ ويعيدون إنتاجه دون وعي!! والسؤال الآن: هل هذه الثورات اليوم ستنجب ديموقراطية هجينة تتماشى مع السائد "الأبوية العربية" المؤدلجة!؟ مع الأسف بعض المعطيات التي نراها اليوم تخبرنا أن هناك ما يبشر بوليد هجين هو "ديموقرادينية"!
أخيرا، إن الديموقراطية الحقيقية لن تتأتى إلا بالوعي الذي تحتاجه، لا باختطافها واستنباتها في سياق الوعي "السائد"! ولهذا السؤال في عنوان المقال ليس من قبيل السخرية بل جاد جدا، فحمار الحزب الديموقراطي تمتع بحظ وافرا من الحضور الشعبي خلال الانتخابات الأميركية، رأيناه بطلا شعبيا يتم الافتخار به على قمصان وملابس الأميركان ولافتاتهم وأكواب فناجين القهوة وغيرها، تشجيعا لـ"أوباما" وحزبه والذي ليس لديه مانع من أن يكون "حمارا" لدى شعبه وفق الوعي بأهمية الحمار، فهل يرضى العربي الذي يحلم بالديموقراطية أن يكون كذلك عند شعبه!!
مواجهة هذا السؤال هي مواجهة لقناعاتنا السائدة، والإجابة عليه ستحدد مدى ما نحتاجه من تصحيح الوعي تجاه "الديموقراطية" لو رغبنا حقا.
إضاءة: يُذكر أن الحمار يعيش نظريا وعمليا في البلدان الغربية ما بين 35 و40 سنة، وبحسب تقرير الفاو فمعدل عمر الحمار في منطقة الشرق الأوسط لا يتجاوز سبع سنوات!! لماذا!؟ نتيجة سوء التغذية وسوء المعاملة!!