أحمد حسين الأعجم
يرتكز سعي البشر جميعا وباختلاف أوضاعهم وظروفهم وفي كل الأزمنة والأمكنة لتحقيق هدف أساسي للحياة الدنيويّة- بالذّات- وهو ( السّعادة)، ولكن رغم ذلك يختلف النّاس كثيرا في تعريف السّعادة. فقسم من النّاس - وهو الأكثر ربما - يرى السّعادة في المال، وقسم آخر يراها في الجاه والمنصب، وقسم ثالث يراها في الذّريّة، وقسم رابع يراها في الصّحة والعافية، وقسم خامس يراها في السّفر، وقسم سادس يراها في كل ذلك، وهناك أقسام أخرى كثيرة، ومن الواضح أن تعريف الإنسان للسّعادة ينبع من واقعه النّفسي والأسري والاجتماعي، فمما لاشك فيه أن سعادة الفقير في المال، وسعادة المريض في الصّحة وهكذا، ولكن هناك من يرى أن الثّقافة هي العنصر الأهم في تحديد مفهوم السّعادة. باعتبار أن الثّقافة نظرة فاحصة ومحايدة ومجرّدة للأمور، بعيدا عن المؤثّرات النفسيّة والأسريّة والاجتماعيّة، والثّقافة المقصودة هنا هي ( الوعي المُدرك لأبعاد الأمور)، فكم من إنسان لديه المال والجاه والأولاد والصّحة ولكنّه ليس سعيدا في حياته، وكم من إنسان لا مال له ولا جاه ولا أولاد ولا صحّة ولكنّه يعيش حياته بسعادة كبيرة، لماذا؟ لأن الله رزقه القناعة! وهنا سر السّعادة، فكأنّ السّعادة تتكوّن من عنصرين هما مقوّمات (عينيّة) مثل المال والصّحة والبيت والأبناء، ومقوّمات (روحيّة) وهي القناعة بنصيبك من المقوّمات (العينيّة).
نعم إنّها القناعة بما لديك، لكن كيف تأتي القناعة، تأتي القناعة بالإيمان، فالقناعة ثمرة من ثمرات الإيمان بالله تعالى لأن الإيمان يمنح الإنسان رضى وقناعة بأن هذا الّذي كتبه الله تعالى له في الحياة، ولعل النّقطة الأهم في القناعة أن لا يقارن الإنسان ما لديه بما لدى غيره! وأنا أعرف وأنتم تعرفون أُناساً من هذا النّوع، صحيح أنّهم قلّة لكنّهم سعداء.. وهذا المهم، والصّورة معكوسة تماما عند غير القنوع فتراه مقبلاً على الحياة بكل قوّة وحرص واهتمام لا يقنعه شيء مهما كثُر، وتراه دائم المقارنة بين ما لديه وما لدى غيره، ولذلك لا يسعده شيء مهما حقّق، فيفقد السّعادة وهو يملك كل مقوّماتها (العينيّة)، لأنّه يفقد العنصر (الرّوحي) وهو القناعة! وأن كلّ ميسّر لما خُلق له، لقد فقد النّاس الإحساس بالسّعادة في هذا الزّمن بسبب سلوكهم الاستهلاكي الّذي يجعلهم يأخذون القروض المُثقلة لكواهلهم ليحصلوا على كل جديد، (لاعتقادهم أن هذه هي السّعادة). وأيضا الحرص على ألا يكونوا أقل من الآخرين (رغم أن الله تعالى أخبرنا أنّه جعل النّاس درجات بعضهم فوق بعض) فمن دخله 3 آلاف يريد أن يعيش كمن دخله 10 آلاف وصاحب الـ 10 آلاف يريد أن يعيش كصاحب الـ 20 ألفا وهكذا، وهو أمر يخالف العقل والمنطق تماما، ولذلك لم يعد الحصول على السّيّارة لتكون وسيلة نقل وتنقّل، ولم يعد بناء المنازل للإحساس بالاستقرار، ولم يعد شراء الجوّال ليكون وسيلة اتّصال، ولم يعد السّفر للاستمتاع والسّياحة، بل أصبح هناك هدف أهم لهذه الأمور كلّها وهو المباهاة والتّفاخر، والنّتيجة المزيد من الدّيون، والمزيد من الهموم، والمزيد من الأمراض، والقليل من القناعة، والقليل القليل من السّعادة.