الإصرار على الأسلوب التقليدي وعدم التعلم من الأخطاء المتكررة في التعامل مع بعض المشكلات التي يعاني منها المجتمع، أمر يدعو للدهشة، يحدث ذلك على الرغم من أن طريق النجاح ليس مستحيلا، وتتمثل خطوته الأولى في استبعاد العقليات الإدارية التنفيذية التي أنتجت هذه المشكلات واعتبارها جزءا من المشكلة، ولهذا السبب فإنه لا يجوز الاعتماد عليها في البحث عن الحلول. ويبدو أننا لم نصل لهذه القناعة حتى الآن، حيث لا نزال نسير بعكس ناموس الطبيعة فنطلب من نفس العقول أن تقدم لنا الحلول ونكافئها بالمزيد من الدعم والمزيد من الوقت، ونحن بذلك نطلب المستحيل.

إن التعامل مع هذه المشكلات بهذه الطريقة، لا يوحي بالجدية في البحث عن الحلول، فالمشكلة لا يمكن أن يتم إصلاحها من خلال العقول التي صنعتها، وهذا مبدأ معروف يدركه طلاب المرحلة الابتدائية. وكما قال أينشتاين: "لا يمكننا حل المشاكل المستعصية إذا ظللنا نفكر بنفس العقلية التي أوجدت تلك المشاكل". وهذا ما نفعله بالضبط فلا نزال متمسكين بالعقليات التي تسببت في الفشل، وكأننا نبحث بشكل دقيق عن وصفة ناجحة للفشل ونكرره مع جميع المشكلات.

ولذلك فأن أول خطوة في سبيل إصلاح أي مشكلة تكون بالخروج من هذه الدائرة التي ظللنا ندور فيها لعدة عقود. آن الأوان لاستبعاد العقليات الإدارية التنفيذية المتحجرة التي لم نحصد منها غير التخبط وعرقلة مسيرة التنمية وبعثرة إمكانياتنا المادية واستنزاف طاقاتنا البشرية.

من يشاهد الطريقة الغريبة التي يتم استخدامها من قبل بعض الدوائر الحكومية في التعامل مع بعض المشكلات والأخطاء التي يرتكبها بعض المديرين بحق الوطن والمواطنين والتي أضحت واضحة ومشاهدة للجميع وتسبب حرجا بالغا للدولة التي رصدت الميزانيات الضخمة، وقدمت الدعم الكامل لهذه الوزارات والإدارات؛ فإنه يصاب بالدهشة والذهول.

فعلى الرغم من أن هذه المشكلات يشاهدها الكفيف ويسمعها الأصم ويفهمها المعتوه، وثبت للجميع حدوثها ومعرفة الجهة والأشخاص المتسببين فيها، ورغم كل ذلك تواجه بصمت غريب من قبل بعض الجهات الحكومية المعنية وكأن الأمر لا يعنيهم.

أتحسر على واقعنا وحالنا عندما يتم تشكيل لجان من هذه العقليات الإدارية القديمة نفسها لتقوم هذه العقول التي تسببت في حدوث هذه الأخطاء والمشكلات.

أبسط حقوق المتضررين من الأخطاء الإدارية، أن تتم معاقبة المتسببين وإحالتهم للتحقيق والتشهير بهم، أما إعادة الضحية للجلاد وتنصيب المتهم قاضيا فهي طريقة عقيمة لم نستفد منها خلال العقود الماضية إلا المزيد من التخبط الإداري وتوفير بيئة إدارية مثقلة بعدم المبالاة، وهذا يشجعهم على فعل المزيد. فعلى سبيل المثال نجد أن الواسطة والمحسوبية واستغلال النفوذ تضرب بقوة، ولم نشاهد من عوقب على هكذا جرائم. فالكثير من الأشخاص يجدون أنفسهم ضحايا لما يمكن تسميته بالواسطة أو المحسوبية أو استغلال العلاقات الشخصية لسلب الحق المشروع للشخص المؤهل وإعطائه لمن لا يستحقه.

الإحساس بعدم المساءلة والأمن من العقوبة، جعل الكثير من الإداريين يتصرفون في بعض منشآت القطاع العام وكأنها جزء من ممتلكاتهم وحوّلت قطاعات كاملة إلى مرتع خصب للإقليمية والشللية حتى إن بعض القطاعات أصبحت دائرة مغلقة ومقصورة على فئات معينة ولا يستفيد من خدماتها إلا أشخاص معينون على الرغم من أن الهدف من وجودها هو خدمة الجميع دون تفرقة، ورغم ذلك نجد من يختزل الوطن بكامله في حفنة من المحيطين به.