باختيار الرئيس الأميركي الجديد لمدة 4 سنوات قادمة، تنتهي اليوم حملة الانتخابات الأميركية، التي كان أخطر ما فيها تهافت الحزب الديموقراطي الحاكم بقيادة الرئيس "باراك أوباما" والحزب الجمهوري المنافس بقيادة "ميت رومني" على كسب ود إسرائيل والفوز بحبها ورضاها.

بالنسبة لإسرائيل، ليس المهم من يفوز بالبيت الأبيض، بل الأهم أن يقوم أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، البالغ عددهم 535 شيخا، بمواصلة ضغطهم على الرئيس المنتخب للدفاع عن مصالح إسرائيل وحماية حدودها ودعم مواقفها.

من خلال اللوبي اليهودي أحكمت إسرائيل هذه الإستراتيجية واستغلتها لصالحها؛ ليرضخ الرئيس المنتخب وشيوخ مجلسه لإرادتها، وليشفقوا على كيانها، ويرأفوا بحالها. لذا ليس مستغربا أن يؤكد أحدث استطلاع لآراء الشعب الأميركي أن 68% منهم يحملون مشاعر إيجابية طيبة تجاه إسرائيل بينما لا يساند القضايا العربية سوى 15% من الشعب الأميركي.

عندما قام "بن غوريون" مؤسس دولة إسرائيل بزيارة واشنطن في عام 1941، كان أمله الوحيد أن يحظى بعدة دقائق فقط من وقت الرئيس الأميركي "فرانكلين روزفلت"؛ ليعرض عليه قضية الدولة اليهودية. إلا أنه وبالرغم من محاولاته الشاقة التي دامت أكثر من شهرين، فشل "بن غوريون" في مقابلة الرئيس الأميركي، مما زاده قناعةً بأن إسرائيل لن تنجح في أهدافها إلا إذا تمكنت من تعزيز نفوذها في مجلس الشيوخ الأميركي.

بعد عام على عودته من زيارته الفاشلة لأميركا، بدأ "بن غوريون" في تنفيذ خطة إستراتيجية محكمة لتأسيس قاعدة قوية للمنظمات اليهودية في أميركا، التي عكفت على تجميع وحصر ملايين الوثائق الرسمية والإحصاءات الدقيقة؛ لاستخدامها في الوصول لأهداف اللوبي اليهودي.

اليوم تتزامن الانتخابات الأميركية مع موعد احتفال اللوبي اليهودي بمرور 22 عاما على تأسيس موقعه الإلكتروني "رينس.كوم"، الذي يقوم بتدقيق أقوال وأفعال الرئيس المنتخب، وشيوخ مجلسه الأميركي، للتأكد من أنهم لا يحيدون عن الهدف الرئيس في الدفاع عن مصالح إسرائيل، وتعزيز مواقفها، وتحقيق أحلامها وطموحاتها. إذا تفوه شيوخ المجلس بكلمات قاسية ضد إسرائيل، هب موقع "رينس.كوم" لتزويد وسائل الإعلام بفضائح الشيوخ، وتضخيم كلماتهم وتعظيم هفواتهم وتهديدهم بمقاضاتهم لعنصريتهم، وإذا بادر شيوخ المجلس بكشف عيوب إسرائيل، ووسائل تحايلها على القرارات الدولية، تصدى لهم موقع "رينس.كوم" الصهيوني في كافة أرجاء العالم، وكشف خباياهم وأسرارهم.

موقع "رينس.كوم" تأسس لدعم لجنة العلاقات الأميركية الصهيونية، المعروفة باسم منظمة "إيباك"، والتي أنشأها اليهودي الأميركي "سي كينين" في عام 1951، وذلك لإقناع شيوخ المجلس بمواصلة دعمهم لإسرائيل، من خلال تقديم المساعدات المالية والمعنوية، وتوجيه انتباه المجتمع الأميركي لحماية الدولة الإسرائيلية (المستضعفة) من الدول العربية (المتسلطة).

منظمة "إيباك" نجحت بالتعاون مع موقع "رينس.كوم" في إقناع شيوخ المجلس، بأن إسرائيل (المستضعفة) تحتاج لحمايتهم، وأنها خير حليف لأميركا في الشرق الأوسط، لكونها الدولة الديموقراطية الوحيدة بالمنطقة. لذا فازت إسرائيل بمساعدات مالية سنوية قيمتها 3 مليارات دولار، وأنشأت مركزا للدراسات الإستراتيجية في واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يهدف لنشر الأبحاث المؤيدة للموقف الإسرائيلي والداعمة لأمنها.

خلال عقدين من الزمن قامت منظمة "إيباك" بتدريب 120,000 من المختصين للدفاع عن العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وتشجيعهم ليكونوا نشطاء سياسيين، وذلك من خلال برامج تطوير القيادات السياسية ودفعها للمشاركة في الانتخابات الأميركية، إضافة إلى تدريبهم على العمل في مراقبة الحملات الانتخابية لصالح إسرائيل.

لدى منظمة "إيباك" اليوم حوالي أكثر من 100,000 عضو في كافة أرجاء أميركا، ويصل عدد مقابلاتهم مع شيوخ المجلس الأميركي إلى 2000 مقابلة سنويا، لينتج عنها أكثر من 115 تشريعا في صالح إسرائيل. ويعمل أعضاء المنظمة على مراقبة كافة المسؤولين في الإدارة الأميركية والدبلوماسيين والمستشارين، إضافة إلى استقطابهم ودعمهم الاجتماعي والثقافي لنجوم صناعة التلفزيون والسينما وشخصيات الإعلام وعمداء الجامعات العريقة والطلبة المتفوقين.

في المؤتمر السنوي الأخير لمنظمة "إيباك" هذا العام، شارك أكثر من 5000 عضو في زيارة رسمية لمجلس الشيوخ الأميركي من أجل حشد التأييد لإسرائيل في آخر أيام المؤتمر. حضر المؤتمر أكثر من 1100 طالب يمثلون 350 جامعة من أفضل الجامعات الأميركية، و60 أستاذا جامعيا من 25 جامعة عريقة تمثل 16 ولاية أميركية، وذلك للفوز بالامتيازات الخاصة الممنوحة لهم والمتمثلة في المساعدات المالية السنوية. كما شارك في المؤتمر عدد كبير من القادة الإسرائيليين وشخصيات دولية بينها رؤساء ووزراء الدول المتقدمة، وكبار المسؤولين في المؤسسات والمنظمات الدولية، لبحث الإستراتيجية الأمنية والسياسية والاقتصادية لدولة إسرائيل. ويعتبر هذا المؤتمر أحد أهم المؤتمرات الأمنية الإستراتيجية لإسرائيل، كونه يسعى لتحديد المخاطر الأمنية التي تحيط بهذه الدولة وكيفية مواجهتها.

بحث المؤتمر في مواضيع الأزمة الاقتصادية العالمية وأثرها على إسرائيل، وقيمة إسرائيل الإستراتيجية بالنسبة إلى أميركا، وملف التجاذب السياسي والأمني بين تل أبيب وواشنطن وطهران. وأصدر المؤتمر بيانه، الذي أوصى بالترويج لخطة إعلامية تهدف للترويج لمزيد من الفتنة في دول الربيع العربي.

عندما فتحت منظمة "إيباك" باب عضويتها لكل من يؤمن بأفكارها، ويعمل على الإسراع بتحقيق أمانيها وتطلعاتها، كان هدفها الرئيس يتركز في تكريس جهود شيوخ المجلس الأميركي؛ لدعم المواقف اليهودية في أقوى دول العالم، وجعلهم الرقيب الأمثل على الرئيس الأميركي المنتخب لزعزعة ثقته بالعالم العربي.

متى يقتنع العالم العربي أن سياسته الخارجية البالية فشلت في إقناع شيوخ المجلس الأميركي بأنهم جالسون على كف عفريت؟