يعقد في العاصمة الرياض، وبرعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين المؤتمر الدولي الأول للقياس والتقويم، وذلك خلال الفترة من 18-20/1/1434 هـ. ويمثل المؤتمر فرصة تاريخية وعملية لإلقاء الضوء على تجربة قياس وأثره في التعليم العالي وبالتأكيد التعليم العام على حد سواء، وذك من خلال مشاركة واسعة من خبرات ومؤسسات دولية وإقليمية ومحلية مثل مؤسسة ETS الأميركية والمعنية باختبارات القياس الأميركية (SAT) والموجه لطلبة الثانوية العامة الأميركية وكذلك الدولية والراغبين في الالتحاق بالجامعات الأميركية. كما يلقي المؤتمر الضوء على تجربة المركز الوطني للقياس والتقويم في المملكة العربية السعودية والممتدة لأكثر من (10) سنوات، تجربة لاقت – وما زالت – التأييد والاعتراض على حد سواء، تجربة انبرى لها الكثير من الطلبة والطالبات والآباء والأمهات والكتاب والمسؤولين بين الموافقة والمخالفة، تجربة – دون شك – أتاحت فرصاً وخيارات أكثر وأفضل في التخصصات الجامعية للطلبة المتفوقين في قياس بينما حدت أو قللت من الخيارات والفرص – نوعاً ما – للطلبة الأقل أداءً في اختبارات قياس سواءً في القدرات العامة أو الاختبارات التحصيلية، دون أن يكون هناك لنتائج اختبارات الثانوية العامة التأثير الأكبر أو الأوحد على تحديد مستقبل وخيارات الطلبة والطالبات.
ولعلنا وقبل أيام من انعقاد المؤتمر الدولي الأول للقياس، نستعرض تجربة قياس، وذلك بعرض الحقائق حول هدف وماهية ودور قياس في تطوير التعليم في المملكة أولاً، ومن ثم تقديم مقارنة وتقييم لقياس وأثره في تطوير التعليم في المملكة، والأهم تقديم عدد من الدروس التي يمكن الاستفادة منها من تجربة قياس المثيرة والوثيرة.
قياس ليس فكرة مبتدعة أو حتى مبتكرة أو خاصة بالمملكة، بل إنها – قياس وبمسميات مختلفة مثل SAT الأميركي – منتشرة ومعتمدة في الدول الرائدة في التعليم العالي مثل أميركا وبريطانيا وكوريا الجنوبية منذ أكثر من (60) سنة، فهي ليست وليدة اليوم، بل إننا في السعودية قد تأخرنا جداً في تنفيذها. قياس، كما في الاختبارات العالمية المماثلة – يسعى إلى تحقيق عدد من الأهداف، من أهمها:
1. التركيز على تطوير وتحسين الموارد البشرية في المملكة – وهي الاستثمار الأمثل والحقيقي لحاضر ومستقبل المملكة.
2. تقديم منافسة وفرص عادلة لطلبة التعليم العام عند التحاقهم بالتعليم العالي، وذلك من خلال دخولهم باختبارات موحدة – معيارية – بغض النظر عن الاسم، أو المدرسة التي تخرج منها، أو المدينة أو القرية التي تخرج منها، أو نوعية المدرسة التي تخرج منها – عامة أو خاصة، اختبارات يتقدم لها الطلبة والطالبات في وقت واحد.
3. تحسين مستوى ومخرجات التعليم العالي، وذلك من خلال العمل على تحسين مدخلات التعليم العالي عبر تقييم واختيار الطالب المناسب في التخصص المناسب، فالطالب الحاصل على نسبة عالية في درجة قياس يعتبر الأنسب والأكثر فرصاً في النجاح في تخصصات متقدمة مثل الطب والهندسة. في السابق، كان تحديد التخصص الجامعي يعتمد على نتائج الثانوية العامة بشكل رئيس. فعلى سبيل المثال، طالب يحمل نسبة (95%) في العلوم الطبيعية في ثانوية الرياض مثلاً قد لا يتمكن من دخول الطب في جامعة الملك سعود بسبب توقف القبول في هذا التخصص عند نسبة (99%)! وهي حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها – وكانت نسبة الثانوية العامة هي المسيطر والمحدد في تحديد فرص وخيارات الطلبة في التعليم العالي، مما أدى – في السابق – إلى سعي وبحث الأهالي عن المدارس التي قد يحصل أولادهم فيها على نسب عالية أو حتى (100%)، لم لا! فالأهالي كانوا يركزون على البحث والمستقبل الكمي لأولادهم وليس النوعي. ومع البدء في تنفيذ مشروع قياس، اختلف الأمر بشكل كبير وجذري.
4. تطوير التعليم العام من خلال الاستفادة من نتائج اختبارات قياس المتعددة عبر تحليلها وربطها بعملية التعليم العام، ومن ثم تحديد نقاط الضعف والقوة في التعليم العام – مستوى ونوعية المعلمين والمعلمات – طريقة التعليم – محتوى المناهج التعليمية. في المجمل، يمكن تطوير التعليم العام وتحسين مهارات وقدرات الطلبة التحليلية والنقدية في مراحل مبكرة من التعليم العام من خلال العمل على الاستفادة القصوى من نتائج قياس، وهذا لن يتم إلا من خلال عمل دراسات تحليلية لنتائج قياس ومن ثم تقييم العملية التعليمية لتحديد أماكن الخلل ووضع خطة للتطوير والإصلاح.
وحتى نكون عادلين ومنصفين، ومن وجهة نظر مراقب خارجي ومطلع على تجربة التعليم العام والعالي في المملكة وفي دول عالمية مثل أميركا وكوريا الجنوبية والسويد، فإننا يجب أن نحدد
أثر ودور قياس في تطوير التعليم والموارد البشرية في المملكة. نتائج وأثر قياس يمكن تلخيصها كما يلي:
1. ساعد قياس على تحسين مستوى ومخرجات التعليم العالي بشكل جلي، وذلك من خلال تحقيق العدالة والفرص المتساوية للطلبة المتقدمين عبر تمحيصهم وتقييمهم بمقياس عادل – قياس – أقلها اختبار موحد وواحد ومعياري وليس مختلفا، كما كان في السابق، ومقيم بطريقة آلية ومعيارية، وليس كما كان في السابق بطريقة شخصية واجتهادية. على أنه ما زال هناك الكثير مما ينبغي عمله وخصوصاً فيما يتعلق بإعداد دراسات تحليلية مقارنة حول مستوى ونوعية مخرجات الجامعات السعودية قبل وبعد تطبيق قياس.
2. في النماذج الدولية المماثلة لقياس، يتحسن مستوى وأداء التعليم العام بشكل استثنائي وملموس، وذلك من خلال عمل الهيئة التعليمية في التعليم العام على وضع معايير تعليمية تراقب وتقيم العملية التعليمية الشاملة للمعلم – المنهج – طريقة التعليم – البيئة التعليمية، وهذا لم يكن ليتحقق لولا الضغط المباشر لنتائج اختبارات قياس على التعليم العام.
ويبقى أن نتحدث عن دور قياس في تغيير وتثقيف الأهالي في التركيز على التطوير التعليمي والنوعي لأولادهم، ودور الإعلام في تقييم تجربة قياس، ومدى عدالة وإنصاف الانتقادات الموجهة لقياس، سواء منها المتعلقة بالثراء مقابل إنشاء قياس، أو وضع عثرة أو صخرة أمام الطلاب قبل دخولهم الجامعات، أو تهميش قياس لسنوات وسنوات في التعليم العام.