رحل نايف بن عبدالعزيز، جسداً وبقي روحاً، كيف لا، وهو الذي زرع في نفوس الجميع، بأن المواطن هو رجل الأمن الأول، فكانت كلماته تلك القاعدة، التي أقصت تنظيم القاعدة.

بعد 6 عقود من الحياة السياسية، رحل الأمير نايف، ولكن رحيله لم يكن رحيلاً اعتيادياً، فلم يرحل إلا بعد أن أوصل قوى الأمن الداخلي، إلى أعلى درجات الاحترافية في العمل، واضعاً نصب عينيه، التهديدات التي شكلت هاجساً مؤرقاً لم يلبث أن ينفك عن طرقها في جميع خطاباته، وكأنه منذ ذلك الحين، يتلو وصية الرحيل.

قد لا يكون خافياً، عدد الساعات التي يقضيها الراحل وهو يعمل، حتى إن إنسانيته كانت تحضر في صلب العمل السياسي، ولا أدل على ذلك، من انتزاعه تطمينات من نظيره الألماني في مؤتمر صحفي عقداه في وقت متأخر من ليل أحد الأيام في 2009، بألا يمس الشيخ عبدالله بن جبرين الذي كان يتلقى العلاج في أحد المستشفيات الألمانية، بأي سوء نتيجة الدعوى المرفوعة عليه في أحد المحاكم هناك.

لازم الأمير نايف بن عبدالعزيز المولود في الطائف، في عام 1934 جميع الملوك السعوديين، ابتداء من المغفور له المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، حتى وصل إلى ولاية العهد في 27 أكتوبر 2011، وعلى الدوام كان يدين بالفضل لأهل الفضل الذين يضعون ثقتهم فيه، ملكاً بعد آخر، في قيادة أهم أجهزة الدولة وأكثرها حساسية.

بعد التفجيرات التي استهدفت فيها القاعدة برجي التجارة العالمي، وتورط 15 سعودياً في تلك الأحداث، أخذ الراحل على عاتقه تصحيح المفهوم الخاطئ الذي ألصقه الإعلام الأميركي بالمملكة والإسلام، حتى استهدفت المملكة في تفجيرات 12 مايو الشهيرة في عام 2003، لتؤكد براءة الإسلام أولاً، والمملكة ثانياً من الإرهاب.

ومنذ عام 1975، والأمير نايف يتولى مسؤولياته وزيراً للداخلية إذ أمضى حتى ساعة رحيله، 37 عاماً على رأس هذا الجهاز، واجهت خلالها المملكة العديد من الأحداث الأمنية، كأحداث الحرم المكي، وتفجيرات نفق المعيصم، واستهداف مجمع الأميركيين في الخبر، وصولا إلى شر القاعدة المستطير، وفي كل الأحداث تتجاوز المملكة بحكمة وثبات كل التحديات.

ورغم كل التحديات الأمنية، الداخلية والخارجية، شمالاً حيث العراق، وجنوباً حيث اليمن، إلا أن ذلك لم يشغل ولي العهد الراحل، عن الاضطلاع بالملفات الإنسانية، وتوليه شخصياً إدارة حملات التبرعات الشعبية، الخاصة بإغاثة الشعوب المنكوبة، فيما ظل هاجس تعزيز استقرار أمن المنطقة ملازماً لسموه حتى قبل أسابيع قليلة من وفاته، حيث حرص على تحديث الاتفاقية الأمنية الخليجية، التي وافق عليها وزراء داخلية دول الخليج في الرياض مؤخراً، إضافة لحرصه على عودة بغداد للحضن العربي، واستعداده للتعاون مع المسؤولين هناك بلا تحفظ، في تصريحه الشهير الذي أطلقه من العاصمة البحرينية المنامة، في اجتماعات وزراء داخلية دول جوار العراق.

رحل نايف، وعزاء السعوديين بأن من ورائه، رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه.