"من أمن العقوبة أساء الأدب" مثل عربي شهير كان نبراساً أمنيا يمضي في طريقة العرب نحو عالم خال من المخالفين، ورغم أن أمثالا أخرى كثيرة تشدد على أن التعامل مع المخالف بعقوبة هو الرادع الأول للوقوف في وجه تماديه، إلا أن وزارة الداخلية كان لها رأي آخر بقيادة الأمير الراحل في طريقة تطبيق العقوبة، حيث كان حق الإنسان في حفظ كرامته قبل كل شيء، ومن ذلك انطلقت وزارة الداخلية في رحلة مستمرة نحو تطوير أداء المكان العقابي "السجن"، فحفلت سجون المملكة بالكثير من التطوير خلال فترة تولي الأمير نايف- رحمه الله- وزارة الداخلية، وذلك بعد أن ساهمت سياسة السجون في المملكة في فرض آلية تقويمية لحال السجناء لعودتهم إلى حياتهم الطبيعية، وقد تجاوزوا الفكر والحال الذي دخلوا من خلاله إلى السجن عبر منحهم فرصة ثانية لتعديل حياتهم، ليس عن طريق العقوبة فقط، بل بالتوعية والبرامج والفعاليات التي تقام داخل السجون، وكذلك المميزات والحوافز التشجيعية.
عنوان عريض أطلقه القائمون على سجون المملكة بأن تتحول إلى "إصلاحيات" تهدف إلى الإصلاح والتهذيب، عبر أقسام التوعية والإرشاد، وأقسام تعنى بتقديم العلم المفيد والنافع للسجناء عبر تقديم دورات تكسب مهارات إضافية خلال قضائهم فترة عقوبتهم.
تلك التجربة انطلقت إلى ما هو أبعد من ذلك عبر توفير وظائف للسجناء بعد خروجهم، وذلك بالتنسيق مع القطاعين العام والخاص، وتوفير قروض من بنك التسليف لإقامة مشاريع مستقلة تعيدهم إلى الحياة، وكذلك العناية بأسر السجناء خلال قضاء عائليهم لفترة العقوبة، وذلك من خلال تعاون وتنسيق مع اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم "تراحم" وفروعها بمختلف مناطق المملكة، بحكم أن هناك دوراً تكاملياً لخدمة نزلاء السجون والمفرج عنهم وأسرهم، من خلال عمل اللجنة على رعاية أسرة السجين ومساعدتها، لاحتواء ولي أمرها أو ابنها بعد خروجه.
السجين أيضاً كان له حقوق على الدولة عبر إخضاع عدد كبير من الإدارات الحكومية والوزارات لتأهيله والعمل على إعطائه كافة حقوقه المشروعة، وذلك عبر وزارة الشئون الإسلامية التي كانت تهتم بالجانب التوعوي للسجين وتأهيله وإصلاح حاله عبر الدورات التي تعقد في السجن وكذلك أقسام الإرشاد والتوجيه، وحث السجناء على الالتزام بتعاليم الدين الحنيف، ويأتي بعد ذلك دور التأهيل المهني بعد أن يكون السجين قد عاد فكرياً إلى جادة الصواب، حيث تعقد مئات ورش التأهيل المهني في السجون وتخرج منتجاتها لتباع في الأسواق ويعود ريعها للسجناء أنفسهم، مما يكسبهم ثقة في عملهم ويجعلهم أعضاء منتجين في المجتمع.
إلى ذلك، تسعى المملكة حالياً لتطوير مقار السجون عبر مشاريع كبيرة تنفذ في عدد من مناطق المملكة من أجل إنشاء إصلاحيات نموذجية تتماشى مع كافة المتطلبات العصرية، وتوفر للسجين الحياة الكريمة أثناء قضائه فترة عقوبته.