فقدت السعودية أمس رجل الأمن الأول وسيفها على الإرهاب ولي العهد، نائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي حول بلاده إلى نموذج تجربة فريدة استفادت منها عدد من دول العالم لتطبيقها في مواجهة الإرهاب.
ولم تأت تلك الألقاب التي أطلقت على الأمير نايف من فراغ وإنما بعد جهد وطني أمني دؤوب تواصل لنحو 40 عاما مرت خلالها البلاد بظروف مختلفة وواجهت مئات العمليات الإرهابية جعلته يستحق ألقابا عديدة، من بينها رجل الأمن الأول والسيف على الإرهاب وقاهر الإرهابين والعين الساهرة وعراب الأمن الفكري وألقاب متعددة.
وجاء ظهور صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- عقب أول عمل إرهابي يتعرض له الوطن عام 1979، وبعد تعيينه وزيرا للداخلية بـ4 سنوات، معلنا تطهير المسجد الحرام من العناصر الإرهابية التي استهدفته، وأصبح منذ ذلك الوقت اسمه مرتبطا بالأمن، فيما استمر الأمير نايف في محاربته للإرهاب في المملكة الذي خمد لفترة وظهر منتصف التسعينات بتفجيرات الخبر، وانتهج جميع المناهج للحد من الإرهاب وتوطيد الأمن.
ووصف الأمير نايف في وقت سابق من يقوم بأعمال الإرهاب ويسعى لزعزعة الأمن في المملكة بأنهم "داء وفيروس وجد في المجتمع لا بد من معالجته وإنهائه وأسلافه بشكل كامل"، مؤكدا أن الهدف من وراء ما تقوم به الفئة الضالة ومن يساندها هو "الإساءة إلى أمن المملكة وزعزعة المجتمع السعودي".
وظهر الأمير نايف قريبا من الميدان في مكافحة الإرهاب من خلال وصفه لمراحله في إحدى تصريحاته حيث يقول ''يبدأ الإرهاب بتطرف فكري، ثم يتطور لتطرف فعلي، ويسنده في هذه المرحلة فكر متطرف، وعليه فتبدأ المعادلة بتطرف الفكر ثم ينمو ليصبح فكرا للتطرف يؤيده ويسانده، ويبرر له أقواله، ويسوغ له أعماله، ولذا إذا أردنا أن نكافح التطرف فلنكافح فكره، وإذا أردنا أن نكافح فكره فلنكافح منابعه الفكرية والبشرية، فكم من عمليات إرهابية بدأت بأفكار عدها البعض من باب الغيرة والاحتساب، وإذا بها تتطور إلى أن تستبيح الكبائر".
ونجحت جهود الأمير نايف في محاربة الإرهاب بإحباط نحو 220 محاولة إرهابية والقبض على من يقفون وراءها، وأكد سموه في أحد تصريحاته أنه إذا لم يتم تجفيف منابع الإرهاب في جميع دول العالم فسيبقى الإرهاب مستمرا.
وكان الأمير نايف -رحمه الله- يشدد باستمرار على أهمية الأمن الفكري، وابتكر عددا من البرامج سعيا منه لمحاربة الفكر بالفكر، وأنشأ برنامجا مكثفا لإعادة التأهيل وتقديم النصح هو "برنامج المناصحة"، ويضم مئات المرشدين الشرعيين والمختصين النفسيين، وهو برنامج موجه للسجناء المتورطين في قضايا أمنية من خلال تعاطفهم أو دعمهم للمتطرفين، لتبصيرهم بالأحكام الشرعية الصحيحة وتقديم نصائح نفسية واجتماعية لهم، وإشراكهم في حوار ديني شامل ومكثف.
وحظي البرنامج بإشادة الخبراء المعنيين وأسر السجناء نظرا للتأثير الإيجابي لهذا البرنامج.
ونجح برنامج المناصحة في تخلي 90% من الأشخاص الذين شاركوا في هذا البرنامج عن آرائهم المنحرفة وغادروا السجون، في حين حققت التجربة السعودية في مكافحة الإرهاب نجاحات كبيرة من خلال تبني برامج فكرية وحوارية حظيت بإشادة عالمية وتمت الاستفادة منها في عدد من الدول الكبرى. وكان وزير الداخلية في مملكة ماليزيا الاتحادية من ضمن من أشاد بالتجربة السعودية في مكافحة الإرهاب واصفا إياها بـ"النموذج العالمي الذي يحتذى به".
وقامت المملكة بعد سلسلة عمليات إرهابية من أبرزها تفجير المجمعات السكنية بالرياض 2003 بتنظيم المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب عام 2005 وتبنت خلاله اقتراحا بإنشاء مركز للتعاون لمكافحة الإرهاب.
وعلى المستوى العدلي والقضائي، كان للأمير نايف -رحمه الله -دور بارز في إنشاء محكمة خاصة للنظر في قضايا الإرهاب تحت مسمى المحكمة الجزائية المتخصصة، واستحداث دائرة مختصة بهيئة التحقيق والادعاء العام تحت مسمى "دائرة قضايا أمن الدولة" لتتولى التعامل مع مثل هذه القضايا وتوفير جميع الضمانات التي توفر للمتهمين في قضايا الإرهاب وتمويله محاكمة عادلة بما في ذلك حقهم في الدفاع عن أنفسهم وتعويض من تثبت براءته منهم، فيما بدأت المحاكمات للموقفوين أمنيا منذ أكثر من عام من خلال جلسات تتم بحضور وسائل الإعلام وهيئة حقوق الإنسان.