في مطلع العام الماضي، أكد ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، أنه سيتم العمل على تقصي الحقائق والتعرف على جوانب الإهمال والتقصير في الأمطار الغزيرة التي هطلت على جدة، منعا لتكرار ما حدث من أضرار في الأنفس والممتلكات، إلى جانب تحديد المقصرين في أداء واجباتهم لينال كل مقصر جزاءه الرادع دون تهاون.
جاء ذلك خلال ترؤسه في مكتبه بالرياض في 30 يناير 2011، اجتماع اللجنة الوزارية المعنية بإنفاذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز "رحمه الله"، حيال مواجهة ما تعرضت له محافظة جدة من أضرار نتيجة هطول الأمطار الغزيرة عليها وما واكب ذلك من خسائر جسيمة أدت إلى الكثير من الأضرار الخطيرة على الإنسان والمكان.
وفي مستهل الاجتماع، أكد الأمير نايف - رحمه الله - على عظم المسؤولية الملقاة على عاتق هذه اللجنة تجاه إنفاذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو نائبه، بشكل عاجل من خلال توفير كافة التعزيزات اللازمة للحد من تلك الأضرار وتقديم العون والمساعدة للمتضررين، وتخفيف معاناتهم وتعويضهم جراء ما لحق بهم من خسائر جسيمة.
وأشار إلى أن اللجنة باشرت مهماتها فور صدور التوجيه السامي كلٌ فيما يخصه، وأن الاجتماع يأتي لتقويم ما توفر من معطيات وحقائق حيال التعامل مع أوضاع محافظة جدة وما لحق بها وساكنيها من أضرار، ومتابعة جهود الجهات المعنية بإزالة آثار كارثة الأمطار بأقصى سرعة ممكنة من خلال عمل دؤوب متواصل ليلا ونهارا.
وأوضح الأمير نايف - رحمه الله - أن ذلك يأتي وصولا إلى تقديم تصور شامل لما يجب القيام به في كافة المجالات، وبما يحد من تكرار ما حدث مستقبلا، وتحديد آليات تنفيذ ومتابعة ذلك ورفع تقارير فورية لمقام خادم الحرمين الشريفين وسمو نائبه بهذا الشأن أولا بأول.
نص التكليف السامي
وجاء ترؤس الأمير نايف لهذه اللجنة بناء على أمر خادم الحرمين الشريفين، الموجه للأمير نايف نصا كالتالي:
نظرا لما واكب الأمطار والسيول في محافظة جدة وما جاورها، من أضرار جسيمة، أدت لكثير من الأضرار الخطيرة على الإنسان والمنشآت، وأن محافظة جدة تواجه خطر الغرق في كثير من المناطق، فيعتمد حالا ودون أي تأخير البدء بشكل عاجل بتوفير كل التعزيزات للحد من تلك الأضرار خاصة وأن الأمطار مترقب استمرارها في الأيام المقبلة، وقد زودنا أمير منطقة مكة المكرمة بنسخة من ذلك للرفع حالا عن الجهات المقصرة وتقرير شامل حول ذلك، ومن تأخر في تنفيذ الأوامر السابقة، كما زودنا وزير المالية بنسخة من أمرنا هذا لاعتماد المبالغ اللازمة لتوفير كل الإمكانات والتعزيزات بشكل فوري. وعلى جميع الجهات المختصة العمل ليلا ونهارا لإنهاء هذا الأمر ومن يتهاون في هذا الأمر الخطير فيحاسب بشدة، ويرفع لنا أولا بأول، فاعتمدوا ما يلزم.
جولة ميدانية لتفقد الأضرار
كما نفذ الأمير نايف بن عبدالعزيز جولة ميدانية لتفقد ما خلفته سيول جدة من أضرار في الأنفس والممتلكات، ووقف على الطبيعة في محافظة جدة يرافقه الوزراء المعنيون، وأكد أن هيئتي التحقيق والادعاء والرقابة والتحقيق تولتا موضوع الأشخاص الذين أدينوا، ورصدتا عليهم ملاحظات في سيول جدة، وأنهتا الشيء الكثير في تحقيقاتهما، وأحيل المتهمون إلى القضاء، على أن تستكمل بقية التحقيقات وتحال أيضا للقضاء.
وأشار سموه خلال مؤتمر صحفي عقده بمقر إمارة منطقة مكة المكرمة في جدة عقب الجولة في ذلك الوقت، إلى أنه سيتم الإعلان عن أسماء المتورطين عند صدور الأحكام القضائية ضدهم، وليس هناك حكم سيصدر على أي إنسان إلا وسيذكر اسمه، وأن هذا الحال ينطبق على سيول هذا العام، ومن يثبت تقصيره، وتسببه في القضية، سيشمله هذا العام ما شمل السابقين.
وأضاف أن لجنة تقصي الحقائق قامت بأعمالها، وانتهت، وحددت الأشخاص، وأحيلوا لهيئة التحقيق والادعاء العام، التي ستحقق بدورها في هذا الموضوع، فإما أن تدين أو تبرئ، وبالتالي فإن القضاء هو الفيصل.
معالجة آثار الكارثة
وقال "إنه بناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي أمر بتشكيل هذه اللجنة من الوزراء والمسؤولين، اجتمعنا ووجدنا أنه لا بد أن نلتقي في جدة، ونطلع على الأمور عن كثب، وقمنا بهذه الجولة، وأخذنا صورة متكاملة عما حدث.
وأوضح سموه أنه تم تشكيل لجنة فرعية برئاسة أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، وعضوية كل من وزير الشؤون البلدية والقروية الأمير منصور بن متعب، ووزراء النقل، والكهرباء والمياه، والصحة بالنيابة، وجميعهم سيجتمعون، وسينظرون كافة الاحتياجات والظروف والوضع الحالي بالمعالجات الممكنة في هذا الوقت، ومنها تجفيف المياه، والحرص على ألا تتحول هذه المياه إلى أي شيء يضر بصحة المواطن، ثم تتولى بعد ذلك اللجنة استدعاء شركات عالمية متخصصة لدراسة صرف مياه الأمطار، لتشمل ما تبقى من مشروع الصرف الصحي، وتعمل على دراسات وتصاميم يتم عرضها على شركات عالمية متخصصة، لتتولى التنفيذ، وسيكون دعم هذه الشركات بشكل فوري بحيث تنتهي هذه المشاريع في أقرب وقت ممكن.
تعويضات للمتوفين وعقوبات للمقصرين
وعن تعويض المتوفين في السيول، شدد الأمير نايف على أن تعويضهم سيكون كما تفضل به خادم الحرمين الشريفين، وهو بالتأكيد إن لم يزد فلن يقل، وأن ما حصل في جدة من قصور وأخطاء أمر متوقع في أي عمل، ولكن الأخطاء تختلف، فهناك خطأ مقصود ونتيجة تقصير، وخطأ غير مقصود، وطبعا هذه لن تهمل في الحاضر والمستقبل، والدولة لديها الأجهزة المعنية التي تتولى التحقيق في هذا الشأن.
وتمنى ألا تكون الأخطاء مقصودة، "فالمسؤولون في الدولة بشر والذي لا يخطئ لا يعمل، ولكن إن شاء الله نتمنى أن تكون قليلة، لأن هؤلاء مواطنون والمواطنة موجودة في كل مواطن، ويجب أن تتغلب على نزعات ذاتية بحكم تمسك هؤلاء المواطنين بعقيدتهم والتزامهم الديني، وخشيتهم من الله والأمانة التي في أعناقهم واحترام وطنهم، وأنه يجب ألا نضخم الأمور، وإن وجدنا أمرا سلبيا، فيجب أن نبحث عن الأمور الإيجابية".
وحول تقصير بعض الجهات في مواجهة الحدث، قال الأمير نايف "من خلال متابعتي لما تم من مواجهة الحدث، لم أجد أن أي جهة حكومية تأخرت عن أداء مسؤولياتها، ولكن قد يكون الحدث أسرع من التحضير له، وأنه حتى لو حصل تقصير من أية جهة، فإنها سوف تساءل، وسيحدد الخطأ والتقصير، مثل ما يحدد مع الموظفين الآخرين، وكل مقصر لا بد أن يساءل، ولا بد من معالجة الخطأ بما يكفل عدم تكراره، وتحقيق ما تقتضيه المصلحة العامة".
وفي الجولة، استقل سموه طائرة مروحية اطلع بواسطتها على المناطق المتضررة، واستمع إلى شرح مفصل من أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، وأعضاء اللجنة الوزارية المعنية بتنفيذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ونائب خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز يرحمه الله، بشأن مواجهة آثار سيول جدة، عن الجهود التي بذلتها من أجل التخفيف من معاناة المتضررين، وصولا إلى تقديم تصور شامل لما يجب القيام به في كافة المجالات، وبما يحد من تكرار ما حدث مستقبلا، وتحديد آليات تنفيذ ومتابعة ذلك، ورفع تقارير فورية لخادم الحرمين الشريفين، وسمو نائبه بهذا الشأن أولا بأول.
إنجازات لجنة تقصي الحقائق
ووسط هذه الجولات والاجتماعات، أصدر خادم الحرمين الشريفين أمره الكريم في 30 نوفمبر 2009، بتشكيل لجنة للتحقيق وتقصي الحقائق في فاجعة سيول جدة الأولى، بعد 5 أيام فقط من وقوعها، وأودع 40 شخصا غرف التوقيف على خلفية التحقيق في الكارثة، ليتسلم المتضررون من سيول جدة شيكات تعويضهم عن ممتلكاتهم وشهدائهم، وهم يعاينون اليد الأخرى "الصارمة" لخادم الحرمين، وهي تضرب أطناب الفساد الإداري.
لجنة تقصي الحقائق التي شكلها خادم الحرمين وتابعها الأمير نايف بدقة، أنهت تحقيقاتها في 95 يوما فقط، استنادا على صلاحيات واسعة أقرها الأمر الملكي الكريم، لضرب المفسدين، وسلمت تقريرها للملك الذي لم يتوان في إصدار قرار آخر بإحالة جميع المتهمين في تداعيات الكارثة إلى هيئتي التحقيق والادعاء العام والرقابة والتحقيق في مارس العام الماضي.
وفي خضم هذه الإجراءات المحاسبية الكبرى، كان الوجه المشرق الآخر يظهر في جدة، حيث المتطوعون من شبابها وشاباتها الذين تفاعلوا سريعا مع أوامر الملك، فبين الاعتزاز بحنين القائد على أبنائه المواطنين المتضررين، ونشوة الانتصار على الفساد، قاد أكثر من 5 آلاف متطوع ومتطوعة أعمال الترميم ورفع الضرر، وأعمال المساعدات الطبية والعينية للمتضررين، إيمانا منهم بالواجب الوطني الذي قادته أوامر الملك.
جهود تطوعية
وبدورها، فإن القيادة كانت واعية لما قدمه المتطوعون، الذين أثبتوا حبهم لوطنهم، وولاءهم لقادتهم، فقاد أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل فريقا ميدانيا، حمل على عاتقه تكريم هؤلاء المتطوعين، ونقش أسمائهم بماء من ذهب على لوحة شرف تتزين بها جدة، ورعى احتفالية كرنفالية تصدرتها عبارات خادم الحرمين الشريفين، التي تم رسمها على وجهين للوحة واحدة، حيث تناول الوجه الأول قرارات الوقوف بجانب المتضررين، وتعويضهم في ممتلكاتهم، وحمل الوجه الآخر عبارات المحاسبة والقسوة على الفساد، والمتسببين في الكارثة.
التاريخ، أعاد نفسه بعد عام في جدة، والأمطار تعطل الحياة في جدة من جديد، بعد أن شهدت هطول أكبر كمية من الأمطار في تاريخها المنظور، يوم الخميس 26 يناير الماضي، فكان لأهالي جدة موعد جديد مع خادم الحرمين الشريفين، وبالرغم من بعده المكاني عنهم ضمن رحلته العلاجية، إلا أنه كان حاضر القلب مع متضرري السيول، وأصدر أوامره الكريمة بعد ساعة واحدة من الفاجعة الثانية.
خادم الحرمين كان أسفا لما حدث في جدة، ووجه بتشكيل لجنة عليا قادها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله -، وعضوية وزراء الجهات المعنية، وتقديم كامل الدعم والتعزيز للمتضررين، ومنح اللجنة صلاحيات واسعة وموازنات مفتوحة لمنع تكرار حوادث السيول في جدة.
فاجعة سيول جدة:
• 25 نوفمبر 2009: بداية الفاجعة.
• 30 نوفمبر 2009: أمر ملكي بتشكيل لجنة التحقيق وتقصي الحقائق.
• ديسمبر 2009: إيداع 40 شخصا غرف التوقيف على خلفية التحقيق في الكارثة.
• 20 فبراير 2010: بدء صرف تعويضات المنازل والمحلات والأثاث.
• مارس 2010: خادم الحرمين الشريفين يتسلم تقرير لجنة التحقيق وتقصي الحقائق.
• مايو 2010: أمر ملكي بإحالة المتهمين في تداعيات الكارثة إلى هيئتي التحقيق والادعاء العام والرقابة والتحقيق.
• يونيو 2010: خالد الفيصل يكرم 5 آلاف متطوع ومتطوعة في سيول.
• 29 ديسمبر 2010: الأمطار تغسل جدة مبكرا قبل تنبؤات الأرصاد.
• 26 يناير 2011: الأمطار تعطل الحياة في جدة بعد أن شهدت هطول أكبر كمية من الأمطار في تاريخها المنظور.
جهود معالجة السيول:
• تتولى وزارة الشؤون البلدية فتح وتمديد قنوات تصريف السيول الثلاث حتى مصاب الأودية شرقا وتمديد القناة الشرقية لتصب في شرم أبحر.
• تقوم إمارة مكة المكرمة ووزارة الشؤون البلدية والقروية بإزالة جميع العوائق أمام جميع العبارات والجسور القائمة وتحرير مجاري السيول إما بقنوات مفتوحة أو قنوات مغطاة.
• تقوم وزارة المياه والكهرباء بمعالجة وضع بحيرة الصرف الصحي والعمل على التخلص منها نهائيا خلال عام من تاريخه.
• إيقاف تطبيق المنح والبيع والتعويض وحجج الاستحكام على الأراضي الواقعة في مجاري السيول وبطون الأودية.
• تقوم وزارة العدل بالعمل على استصدار نظام متكامل للتوثيق.
• تقوم هيئة الخبراء بمجلس الوزراء بالعمل على تطوير أنظمة الرقابة والضبط.
• تقوم وزارة الداخلية بإدراج جرائم الفساد المالي والإداري ضمن الجرائم التي لا يشملها العفو الوارد في ضوء التعليمات والأوامر والتنظيمات المتعلقة بمكافحة الفساد.
• تنفيذ مشاريع عاجلة وأخرى مستقبلية لدرء مخاطر السيول ومنع تكرار أضرارها.