كنت أتحاشى دائما التعمق مع صديقي هذا، في أي حديث يدور حول الثقافة أو القضايا الاجتماعية التي تحولت بفعل التيارات المؤدلجة إلى صراع حقيقي يخرج غالبا من دائرة الحوار العقلاني إلى التلاسن اللفظي والكتابي، وهو في هذا الإطار حاد جدا. ولكنه هذه المرة كان مصرا على الحديث عن شخصية شهيرة عرفت بظهورها الإعلامي الدائم واستغلالها لأي حدث أو قضية حتى وإن كانت في الفيزياء النووية. ولمعرفتي بأنه ممن "يقدس" هذه الشخصية فضلت الصمت والاستماع فقط، ففاجأني بأنه ـ على غير العادة ـ يهاجم هذه الشخصية ويعتبرها متقلبة الأفكار وبدون مبدأ واضح وسليم ـ حسب تعبيره. ولم تخف صدمتي مما أسمع إلا معرفتي سبب هذا التغير المفاجئ. حيث إن أحدهم ـ ممن يثق صديقي في فكرهم وتوجههم الديني ـ أطلعه على بعض من القفزات البهلوانية لهذه الشخصية الشهيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا تلك التي أدت إلى بعض "الكدمات الاجتماعية والجماهيرية" التي أجبرت الشهير على الصمت ولو لحين. وهذا دليل دامغ على أن الحوارات الساخنة على وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت طعما كبيرا لكثير من هواة الشهرة والاستعراض الجماهيري، وخصوصا من صدقوا أن متابعيهم بالملايين وهم يعرفون حقيقة الرقم وكيف وصلوا له؟. لذلك وقعوا في مطبات كبيرة أفقدتهم التوازن نوعا ما. فبدلا من أن تحولهم تلك المواقع لأبطال يقودون الجماهير ـ كما كانوا يرمون ـ سلطت عليهم الأضواء والأقلام وأثارت حولهم الشكوك حتى من "المحبين" و"الأحباب"، وهذا قد يكون من حسنات مواقع التواصل الاجتماعي.
إن من يتتبع تاريخ كثير من هذه النماذج الاستعراضية يصل إلى نتيجة واحدة، هي أنهم ليسوا أصحاب مشاريع حقيقية سواء أكانت بناءة أو هدامة، وأستطيع الجزم أنهم أقل من أن يكونوا جزءا من تنظيمات أو أنهم يحملون خططا وأجندات معينة، فكل ما في الأمر أنهم اعتادوا ركوب أي موجة إعلامية للظهور فقط. فإن رأوا أنهم اصطدموا بواقع أو ردة فعل رسمية أو شعبية لم تكن في حسبانهم، كانت أسهل طريقة للخلاص هي أن يغيروا المواقف 180 درجة. بل إن تاريخ بعضهم القريب جدا يؤكد أنه لا بأس ولا حرج أن يتغنوا صباحا بمن شتموه مساء بأقسى العبارات... فالأهم الاستعراض "ولو بساق واحدة" .