أكد المستشار في مكتب سمو وزير الداخلية الدكتور سعود المصيبيح، أن الفقيد طوال 40 عاماً قضاها في وزارة الداخلية، كان همه الأول أمن هذا الوطن. وأضاف أن الحديث عن فقيد الوطن يعني الحديث عن رجل دولة من الطراز الأول، وهو في نفس الوقت يمثل دولة في رجل بكل معطيات تاريخها وإنجازاتها.
بدايتي مع الفقيد
بدأ الدكتور المصيبيح حديثه بقوله "علاقتي بالأمير نايف بدأت من خلال اتصالي بسموه دون معرفة سابقة، وتقبله لمقترحات من مجموعة من الأساتذة في كلية الملك خالد العسكرية عام 1411هـ، بعدها بعدة سنوات كنت أعد وأقدم برنامجا مع زميلي خالد الطخيم، وهو برنامج دعوة للحوار التلفزيوني عام 1416هـ، وكان أول برنامج حواري تلفزيوني بحضور جماهيري. وبعد أن تم تسجيل الحلقات التي كانت عن السعودة مع الكثير من الصراحة، حيث تكلم الحضور ومنهم فهد الراجحي، الدكتور حسين منصور، مشاري المعمر، عبد الله المعلمي، ومحمد القنيبط، وغيرهم بكل صراحة، ولكن المسؤولين في التلفزيون رفضوا مثل هذه الحلقات، وكانوا متهيبين من فكرة الحوار مع الجماهير، فالدكتور حسين منصور كان أمين عام مجلس القوى العاملة، والأمير نايف يتولى مسؤولية رئاسة المجلس. وعرض الدكتور حسين على الأمير نايف هذا البرنامج التلفزيوني الذي يناقش قضايا السعودة واعتذار التلفزيون عن بثه. وأتذكر أنه أطلعني على شرح سموه، حيث وجه ببث الحلقات مادام النقاش موضوعياً يخدم الصالح العام، وكان سموه لسنوات طويلة رئيس المجلس الأعلى للإعلام، وفعلاً تم بث الحلقات، ووجدت صدى في تلك الأيام -ولله الحمد-، والناس أصبحوا يسجلونها ويتابعونها. وحقق البرنامج الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة الخامس، ولهذا استشرف الأمير نايف الأمر رغم حساسية الموضوع (وهو عن السعودة) وشجع على الحوار.
ويستطرد المصيبيح قائلا: من خلال السنوات التي عملت فيها مع سموه، أتذكر عندما كان يلتقي في أيام المهنة مع الأكاديميين والطلبة، كان يحرص على أن يكون الحوار شفافاً وواضحاً بدون أوراق. وأذكر أن أحد المسؤولين في إحدى الجهات الحكومية رفض الحوار المباشر. وقال «لا بد أن نرتب الأمر دون تركه للناس بهذه الطريقة»، فرجعت لسموه وأخبرته، فقال "ارجع وبلغه بأن هذه رغبتي، وأريد أن يسأل الجميع الأسئلة بدون أي ترتيب أو تنسيق مسبق، أريد الشفافية والصراحة". ولكن للأسف أصر المسؤول أن تكون الأسئلة مرتبة وهو يختارها، فرجعت مرة أخرى وأخبرت الأمير نايف، وقلت له "إنه لا يريد أن يسبب لكم إحراجا، لأن العدد كبير"، فقال سموه "أنا لا يوجد لدي أي تحفظ من أي مواطن سعودي، وله أن يسأل أو يحاور، وأريد أن يكون الحوار واضحاً وشفافاً وتلقائياً". وكان ذلك قبل ست سنوات تقريباً، وبالفعل كان الحوار شفافاً، وذكر الأمير في بداية الحديث أنه يريد أن يكون الحوار واضحاً، وإذا كان هناك شخص يريد أن يسأل فليسأل بدون حرج، وكان يشجع الناس على الكلام، ويتقبل الحدة في الطرح والحماس والانفعال بأبوة وصبر وحلم وبطيبة ونبل.
العلاقات مع تايلند
ويضيف المصيبيح: أتذكر أيضا من مواقفه الجميلة والرائعة أن أحد رجال الأعمال أقام لقاء بحضور 300 شخص تقريباً، وكان من ضمن الأسئلة سؤال من أحد الحضور، وأعتقد أنه عضو سابق في مجلس الشورى، حيث قال: يا سمو الأمير.. إلى متى سيظل موقفك فيما يتعلق بالعلاقات مع تايلند، لماذا لا تعود العلاقات من جديد، خصوصاً أن الموضوع قديم ويخص قتل مجموعة من السعوديين في تايلند)، وأن الموضوع ظل مفتوحاً وتعاقبت عليه حكومات تايلندية كثيرة، ولم يحل هذا الإشكال، ولم يعرف من القاتل لهؤلاء السعوديين، ولابد من إنهاء الأمر، وأن نراعي مصالحنا ونتعاون مع تايلند، بحكم أنها دولة مهمة في آسيا؟.
فتأثر الأمير بالسؤال، ونظر نظرة فيها من الغضب الكثير، والحضور ينتظرون الإجابة. وقال له: للأسف، وللأسف، وللأسف أنك سعودي، وتقول هذا الكلام. وأضاف بلغة حازمة: أنت لم تفكر في قطرات الدم البريئة التي نزفت من هؤلاء الشبان السعوديين الذين كلفوا من وطنهم بمهمات وطنية ودبلوماسية، هؤلاء الذين قتلوا غدراً وخيانة لم تفكر في عيالهم وزوجاتهم وأمهاتهم وأسرهم، أنت تريد التجارة وتريد الربح والملايين، وهذه الملايين قد تأتي من إقامة علاقة اقتصادية مع دولة مثل تايلند على حساب قطرة دم نزفت من سعودي، أنا لا أريدها، ولا أريد أي منطق تجاري أو اقتصادي على حساب هذا الوطن. وهذا الرد جعل القاعة تضج بالتصفيق من كل الحضور.
الموقوفون في الخارج
كما أتذكر في بداية الأحداث، أنه كانت هناك حالات قبض على مواطنين سعوديين في الخارج، حيث تم إيقاف بعض الطلاب والسياح السعوديين باستعجال وتهور وتم سجنهم، فكان الأمير رحمه الله حريصاً على أوضاعهم ومتابعة الإفراج عنهم، ومنهم المحتجزون في "جوانتانامو"، ولهذا تم افتتاح مكتب في العلاقات والتوجيه، وكان سموه حريصاً بالدرجة الأولى على هؤلاء الذين تم القبض عليهم في أميركا أو باكستان أو الشيشان، أن يعودوا إلى وطنهم، إضافة إلى أن تتم رعاية أسرهم وزوجاتهم إذا كانوا متزوجين وآبائهم، وصرف مخصصات شهرية لأسرهم ومن يعولون، وتفقد أحوالهم، وتسديد ما عليهم من ديون. وجرى تكليفنا -كمكتب- بمتابعة من يحتاج إلى قبول في الجامعة أو علاج في المستشفى، وكل شاب فتح له ملف وتوبعت أحواله وأموره، والتقى سموه عدة مرات بأولياء الأمور، وظل يتابع توجيهات القيادة حتى تم الإفراج عن معظمهم.
وأضاف المصيبيح: كان الأمير يجتمع مع أهاليهم ويتلمس احتياجاتهم. وأتذكر أن إحدى الأسر تورط ابن لها في خطف الطائرة السعودية المتجهة للعراق، فأكد سموه في تلك الفترة، على حقيقة واحدة، وهي أن هذا الشخص الذي أخطأ ليس لأسرته أو قبيلته أي ذنب.
المواقف مع الشهداء
ويتذكر المصيبيح مواقف كثيرة للأمير مع أسر الشهداء، ومنها أنه كان يريد زيارة أسر شهداء الواجب وتقديم واجب العزاء لهم، فكانت أسرة العميد عبد الرحمن الصالح (رحمه الله)، وأسرة إبراهيم المفيريج (رحمه الله)، وأسرة وجدان التي قتلت في تفجيرات المرور، وأسرة الرائد إبراهيم الدوسري، وعندما تم البدء في ترتيب الزيارة كانت المنازل متباعدة، فإحدى الأسر كانت في أقصى الشرق في حي المصيف، والأخرى في أقصى الشمال في حي حطين، وأسرة وجدان كانت في حي العريجاء، وأسرة أخرى في حي العزيزية في جنوبي الرياض، فقلت لسمو الأمير: الأماكن متباعدة، وأعتقد أن الوقت ضيق، فقال: لابد لي من زيارة هذه الأسر، لأن هؤلاء الأبطال قدموا لدينهم ولوطنهم الكثير، وهي رسالة للذين يريدون الإساءة لهذا الوطن، وأن من واجبنا أن نشارك في عزائهم. وبدأنا نرتب من وقت العصر، وكنت أرى الإرهاق على سموه لأنه كان لديه عمل في الوزارة واجتماعات ولجان، فخرجنا من الوزارة بعد العصر إلى أسرة العميد الصالح، وقابل والده وإخوانه وقدم التعازي. ثم توجهنا إلى أقصى الشمال وقدم سموه التعازي لأسرة المفيريج، وكان جد الشهيد كبيراً في السن، وتأثر بزيارة الأمير وبكى، وهي صورة أتذكرها حيث صورها المصور التلفزيوني، وأصبحت تتردد كثيراً في البرامج والأحداث، عند ذكر الشهداء. وقد أقيم جامع كبير على نفقة سموه باسم المرحوم إبراهيم المفيريج بالقرب من مقر سكنه. ثم انتقلنا إلى العريجاء لأسرة وجدان ونزل ودخل على أسرة الطفلة وجلس مع والدها وإخوانها واحتضن بنت أختهم الصغيرة حديثة الولادة، وهذه الصورة نشرت في الصحف والمجلات، وكان الأمير حريصاً على زيارة أسرة وجدان رغم صعوبة ذلك وأثرت فيهم الزيارة كثيراً. وبعدها انتقل إلى منزل الرائد إبراهيم الدوسري في أقصى جنوبي الرياض، وقابل والده وإخوانه واحتضن أولاده وكان ذلك الساعة 11 ليلا، فهذه مواقف إنسانية عظيمة تدل على إنسانية هذا الرجل العظيم، وحرصه على مواطنيه.