لا يمكن لثلة من الشباب أن يقوموا بعمل بضخامة 11 سبتمبر، كما لا يتصور العقل أنهم من قاموا بتلك الأعمال! وإذا بحثنا عمَن قام بذلك فإنهم بلا شك الصهاينة أو أميركا نفسها! هذه الطريقة البسيطة في التفكير والتحليل نسمعها كثيرا في مجالسنا، والبعض يستغل نقص الثقافة والوعي في مجتمعاتنا ليجيب بمثل هذه الأجوبة التبسيطية لأجل الهروب من النقاش الفكري الجاد والمحاسبة الفكرية، حتى وإن كان أسامة بن لادن بنفسه اعترف في أحد أشرطته بالتخطيط لها وافتخر بذلك!
قبل أسبوع تقريبا، نشرت قناة الجزيرة في برنامج لقاء اليوم مقابلة مهمة جدا في فهم مسار وفكر القاعدة - وإن كان لدي ملاحظات كثيرة على ما ذكره الضيف-، تلك المقابلة كانت مع الرجل الثالث في القاعدة في أوج صعودها، وهو أيضا رئيس اللجنة الشرعية فيها في ذلك الوقت (محفوظ ولد الوالد - أبو حفص الموريتاني). وقد احتوت على الكثير من الاعترافات وذكْر بعض الحقائق التي يحكيها شخص من داخل التنظيم! وقد سبق وأن رأيت مقابلة مع نفس الشخص قبيل سقوط كابل وطالبان بيومين تقريبا، وكان وقتها يبدو شابا صغيرا في العشرينات أو نحوها، وكان متحمسا ويُهدد ويتوعد.
من الأمور التي أثارت تساؤلات لدي؛ أنه ذكر معارضته للعمليات المسلحة ومنها ضربة سبتمبر، وفعلاً فقد ذكر تقرير لجنة 11 سبتمبر الأميركية ذلك ونصّ على اسمه ومعارضته فعلا، كما أن الضيف ذكر أن ضربة سبتمبر لم يُوافَق عليها من اللجنة الشرعية في التنظيم مع كثرة النقاشات التي حصلت بينهم في ذلك الأمر الذي أدى لاستقالته! إلا أنه ومع معارضته، وقعت الضربة! ولا أدري ما هذه الازدواجية لديهم وأين الالتزام بالفتوى! ثم إنه ذكر أن إمارة طالبان التي كانوا - أي القاعدة - يطالبون الناسَ بأن يُبايعوها، قد طلبت منهم ألا يقوموا بعمل مسلّح ضد أميركا وأكدت على ذلك، إلا أنهم خالفوا أمر من بايعوه وجلبوا لهم الكارثة الكبرى! فأين هو الالتزام بمبادئ الشريعة إذا كانوا لا يلتزمون بفتوى لجنتهم الشرعية ولا أميرهم! وقد كرّر عليه المذيع هذا التساؤل إلا أنه لم يُجب بشكل مباشر، وبرر بأن بن لادن أخذ برأي الجماعة واستشهد بفعل النبي عليه الصلاة والسلام في أُحُد عندما مال إلى رأي أغلب الصحابة، ولكن هل هذا يعني أنه يمكن أخذ الآراء في أمر لم تسمح به حتى اللجنة الشرعية التي ألزموا أنفسهم برأيها!
ومما يثير التساؤل أيضا؛ ذكره لوجود التنسيق مع إيران، واعترف بوجود جهة تنسق بين التنظيم وإيران إلا أنه لم يُسمها، ويظهر من سياق الكلام أنها جزء من داخل التنظيم، والغريب؛ أنه بالاطلاع على طريقة الفكر الجهادي في التعاطي مع المخالفين وحدّته مع الكل، نجد أنه أثنى على الفترة التي قضاها ومجموعة من التنظيم (وقد ذكر أن مجموعة من الوزن الثقيل ومن أعضاء مجلس الشورى في التنظيم كانوا من بين من جلسوا فترة طويلة في إيران بعد سقوط طالبان)! بينما لم يكونوا يتحملون حتى العيش في الدول الإسلامية الأخرى إلا بالقتال والعمليات المسلحة ضد المرتدين كما يزعمون! وأضاف بوجود تفاهمات مع إيران والتزامات وهكذا! وللأسف أن هذه الجماعات يغلب على أتباعها الجهل وقلة المعرفة، بالإضافة إلى أن أغلب أتباعها من صغار السن والتجربة! مما يؤدي إلى استغلالهم من قبل أطراف كثيرة في تحقيق أهدافهم الخاصة من حيث لا يعلم أولئك!
ومما أثار استغرابي؛ أن لديه رأيا متوازنا في موضوع الديمقراطية، ربما بعد صقل التجارب والمحن، حيث يرى إمكانية تطويعها بشكل يتوافق مع الإسلام، وهو في هذا يتجاوز حتى بعض أتباع التيار التقليدي غير الجهادي! الأمر المستبعد كثيرا من شخص كان يعتبر الثالث في أكثر التنظيمات تشددا وانغلاقا!
وفي نهاية اللقاء وجه الضيف نداء للشباب المتحمس بالتريّث والحكمة، وعدم تعريض الناس والبلدان لمزيد من الأزمات والحروب التي لا طائل من ورائها، وأتمنى أن يجد هذا طريقه لدى البعض المتعاطف مع هذا الفكر.
الرسالة الأهم هنا بنظري؛ هي أننا دائما نتعاطف مع من يُحسن اللعب على عواطفنا! خاصة مع نقص الثقافة والوعي للأسف في مجتمعاتنا، فكم خسر المسلمون من دماء وأموال في حرب أفغانستان والصومال واليمن والعراق وغيرها الكثير، بعد دخول هذا الفكر المتطرف هناك! الفكر الذي لا يُلقي بالاً ولا ترددا في التكفير والاستهانة بالدماء والأموال! وبجواب الجاهل البسيط يستخف بكل المعاهدات الدولية والقوى العظمى وتعقيدات الالتزامات الدولية؛ دون أن يعرف حتى كيف ينظر في العواقب والتبعات لما يفعل، كالطفل تماما!
ولكن بعد تحسّن مستوى الثقافة والوعي لدى الناس؛ أعتقد أن هذا الفكر المتشدد سيضمحل ويزول، وإن كان قد يُكلف الكثير قبل زواله ـ كما يبدو ذلك من متابعة الأحداث ـ إلا أنه في النهاية لا يمكن أن يقاوم الفكر الوسطي المعتدل، المتوافق مع روح الإسلام ومعطيات الحضارة والعصر الحديث.